قلعة رعوم

تم بناؤها من قبل الجيش اليمني عندما غزا منطقة نجران عام 1348 هـ ، لاستخدامها كنقطة مراقبة واستكشاف، وتم اختيار جبل رعوم نظرًا لوضعه الاستراتيجي وصعوبة الوصول إليه، حيث يبلغ ارتفاعه 450 مترا..

هذه المدونة قيد الانشاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

هذه المدونة قيد الانشاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

قلعة رعوم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

شريك بن الاعور الحارثي

شريك بن الحارث ، والمشهور بشريك بن الاعور
هو شريك بن الحارث بن عبد يغوث بن خلفة بن سلمة بن دهني الحارثي، يلقب " شريك الأعور " وكان ذا بأس ومؤثرأ في قومه احد فرسان وقادة الامام علي عليه السلام، شهد معه الجمل وصفين. وابلى بلاءاً حسناً .

ادخل شريكاً ذات يوم على معاوية فنظر اليه وقال ما اسمك؟ فقال شريك بن الاعور لأنه كان يشتهر بهذا فقال معاوية ابن من؟ قال ابن الاعور فأخذ معاوية يتنكى به وقال ما اهونك على عشيرتك اذ سموك بهذا فأسمك شريك وما لله من شريك وانك لأبن الاعور والصحيح خير من الاعور وانك لذميم الصورة فكيف سدت قومك؟ فألتفت له شريك وفي وسط المجلس وبكل ثقة عالية وقوة معنوية عالية وبوجود جلاوزة معاوية صاح شريك بصوت عال وانت والله يامعاوية تدري ما معاوية؟ انها كلبة عوت فأستعوت منها الكلاب فسميت معاوية، وانت بن صخر والسهل خير من الصخر وانك لأبن امية وامية امة صغرت فصارت امية، فكيف كما يزعم هذا وذاك وتزعم انت انك امير المؤمنين؟ فقال واحدة بواحدة فقال شريك بلى ولكن البادئ اظلم ثم انشأ يقول وقد اشتاط غضبا قائلا:
أيشتمني معاوية بْن صخر 
وسيفي صارم ومعي لساني 

وحولي من ذوي يمنٍ ليوث 
ضراغمة تهشّ إلى الطعان 

يعيرني الدمامة من سفاهٍ 
وربات الخدود هِيَ الغواني 

ذوات الْحسن والرئبال شثن 
شتيم وجهه ماضي الجناني

فلا تبسط لسانك يابْن حرب 
علينا إذْ بلغت مدى الأماني

فإن تك للشقاء لنا أميرًا 
فإنا لا نقر عَلَى الهواني

وإن تك من أمية في ذراها 
فإني فِي ذرى عَبْد المداني

متى ما تدع قومك أدع قومي 
وتختلف الأسنة بالطعاني

يجبني كل غطريف شجاعٍ 
كريمٍ قد توشح باليماني

ثم خرج مغضبا، فخرج وراءه خلق كثير من اليمانية كانوا قد حضروا، فغضبوا لغضبه، فعند ذلك قام معاوية ماشيا خلفه، خوفا من الفتنه، فترضاه واعتذر إليه وولاه على قومه. وان صحت هذه الرواية فإنها توضح في جانب منها المكانة التي كانت عليها الحارث بن كعب وتحالفاتها في عهد وحكم معاوية بن أبي سفيان.


جعفر بن علبة الحارثي

جعفر بن علبة في كتب التراجم


[ أخبارة وحياتة ]
لم يترك لنا المؤرخون وأصحاب كتب التراجم ترجمة وافية للشاعر الفارس جعفر بن علبة الحارثي، بل إن ما ذكره الكثيرون منهم لا يعدو ذكر اسمه، وأبياتاً من شعره . و من آوائل الذین ذکروه آبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ( ت 204 هـ) في کتابه نسب معد و الیمن الكبیر، و ابن درید (ت 321 هـ) في کتابه الاشتقاق، ومع ذلك يبدو القدر الذي كتبه كل منهما ضئيلاً لا يتجاوز سطرين، ولا يعدو ذكر اسمه، دون إيراد شيء من شعره. وذكره الأمدي (ت 371 هـ) في کتابه " المؤتلف والمختلف "، و هو لا یضیف لما ذکره سابقوه سوی استشهاده بخمسة أبيات من شعره. وقد وردت قصة جعفر وأخباره في القسم الضائع من المؤتلف والمختلف مع شعراء بني الحارث بن كعب.
و کان ابو تمام (ت 231 هـ )، من قبل، قد استحسن ابیاتاً من شعر جعفر بن علبة، فأورد أربع مقطوعات من شعره في مختاراته ديوان الحماسة. وأوفى ترجمة لشاعرنا نجدها عند أبي الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) في كتابه الأغاني فهو فهو أول كتاب وصلتنا فيه ترجمة جعفر بن علبة بشكل أوفى مما نلقاه عند سابقيه ولاحقيه". وما جاء في كتابة " الأغاني " اختصره ابن واصل الحموي (ت 697 هـ ) في " تجرید الأغاني " و ابن منظور (ت 711 هـ) في مختار الأغاني والعباسي (ت 963 هـ) في کتابه " معاهد التنصیص ". و ترجم له من المتأخرین عبد القادر البغدادي (ت 1093 هـ) في كتابه " خزانة الأدب "، ومع أن أخبار جعفر في هذا الكتاب جاءت في مواضع متفرقة، تبعاً للأبيات التي استشهد بها من شعره، إلأ أن ضم بعضها إلى بعض يشكل شيئاً جيداً في هذا المجال.
وترجم له من المحدثين خير الدين الزركلي في كتابة " الاعلام " واشار ليه جورجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية . وذكره د. عفيف عبد الرحمن في كتابه " معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر الأموي "، و د. عزيزة فؤال في معجم الشعراء المخضرمين والأمويين "، وأشارا إلى مصادر ترجمته و شعره.
وأورد مختارات من شعر جعفر أدونيس في " ديوان الشعر العربي " و د. يحيى الشامي في " موسوعة شعراء العرب ". ومطاع الصفدي وإيليا حاوي في " موسوعة الشعر العربي ".

تلك هي المصادر والمراجع التي ذكرت جعفر بن علبة الحارثي، وأشارت إليه، ولكن آخباره في هذه المصادر تكاد تنبع من آصل واحد، والحقائق التي يمكن استخلاصها منها ضئيلة، لا تعين كثيراً في توضيح شخصيته وشاعريته.

• اسمه و نسبه:
ينتهي نسب جعفر بن علبة إلى بني الحارث بن كعب، وهي قبيلة من اليمن كانت تنزل بنجران، فهو جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث بن الحارث بن معاوية بن صلاءة بن المعقل بن كعب بن الحارث بن كعب". فهو مسن ولد عبد يغوث الحارثي، أسير يوم الكلاب. وعدد ابن حزم بعض رجالات بني الحارث بن كعب وذكر منهم جعفر بن علبة، وأشار إلى أن لرجال هذه القبيلة قدراً في دولة بني العباس، فقد كانت خؤولة السفاح أبي العباس في بني الحارث بن كعب، وفي تفسير اسم شاعرنا يقول ابن جني: " الجعفر: النهر، والعلبة: قدح الراعي من جلود "، وتنسبه المصادر وكتب الأنساب، كما ذكرنا، إلى بني الحارث بن كعب فتقول: " جعفر بن علبة الحارثي ". إلأ أن ابن الأثير (ت 630 هـ) تفرد بنسبته إلى کعب بن الحارث، فقال : الكعبي.

• اسرته:
لا نكاد نعرف شيئاً كثيراً عن أسرة جعفر بن علبة، فلا تذكر لنا المصادر وكتب التراجم شيئاً عمن خلفهم من أبناء وبنات وزوجات وأحفاد، ولكن أبا الفرج الاصفهاني ذکر انه کان يكنى " ابا عارم "، وعارم ابن له ذکره في شعره، فقال من قصيدة له قبل مقتله:

آوصیكم ان بیت یوماً بعارم
لیغني شیئاً او یكون مکانیا

و وردت کنیته في قول صدیقه ایاس بن زیاد یتوجع له:

ابا عارم کیف اغتررت ولم تكن
ثغــر إذا ما كــان أمـر تحـــاذره

فلا صلح حتی يخفق السیف خفقهٔ
بكـف فتی جــرت علیه جــرائره

وكان لجعفر من الإخوة إثنان، هما: جعد وماعز ، وكان ماعز يكنى " أبا عون "، وهو الذي حرضه أخوه جعفر، وهو في سجنه، قائلاً:

وقل لأبي عون إذا ما لقيته
ومن دونه عرض الفلاة يحول

تعلّم وعد الشك اني يشفني
ثلاثة أحراس معاً وكبول

أما أبوه فهو علبة بن ربيعة الحارثي، بضم العين وسكون اللام، بإجماع مصادر ترجمته، وفي الوافي بالوفيات "تحريف (علبة) إلى (علية) ". كما أن المرزباني في كتابه " معجم الشعراء ذكر أنه علبة بن ماعز الحارثي"، وماعز هو احد ابنائه، کما اشرنا. و کان علبة شاعراً ذکره المرزباني في معجم الشعراء والبكري في سمط اللالی وأورد له أبو الفرج الأصفهاني أبياتاً في رثاء ابنه جعفر منها، قوله .

لعمرك إني يوم أسلمت جعفراً
وأصحابه للقوم لما أقاتل

لمجتنب حب المنايا وإنما
يهيج المنايا كل حق وباطل

فلم يدركوا حصناً من الموت حيصة
كم العيش باق والمدى متطاول

فراح بهم قوم ولا قوم عندهم
مغللة أيديهم في السلاسل

وقال معاذ العقيلي يجيبه:

أبا جعفر أسلمت للقوم جعفراً
وضيفيه في بهو من الأرض واسع

أجرت فلم تمنع وكنت كقابض
على الماء خانته فروج الأصابع

وقد عمر علبة إلى أول دولة بني هاشم . وأمّه لا نعرف عنها شيئاً، إلأ أنها أم جعفر، وكانت شاعرة أيضاً، أو تقول الشعر، ولها في رثاء ابنها جعفر أبيات . ولجعفر أخت كانت تحت السري بن عبد الله الهاشمي، ولكن المصادر لا تذكر لنا عنها شيئاً أكثر من ذلك.

• صفاته وأخلاقه:
لم تذكر لنا المصادر شيئاً عن شخصية جعفر بن علبة وأخلاقه، ومن ثم فإن دراسة صفاته وأخلاقه تعتمد على تلك الإشارات، التى نستنتجها من شعره القليل الذي بين أيدينا. تُجمع المصادر التي ترجمت له على أن الصفة البارزة التي كانت تغلب عليه في حياته، هي الفروسية، فقد نعته أصحاب كتب التراجم بأنه فارس مذكور في قومه ". ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن كل ما تبقى بين أيدينا من شعره يدور حول فروسيته، وغاراته على بى عقيل، ومنه قوله : 

ألا لا أبالي بعد يوم بسـحـبـل
إذا لم أعذب أن يجيء حمامـيا

تركت بأعلى سحبل ومضـيقـه
مراق دم لا يبرح الدهر ثـاويا

شفيت به غيظي وجرب موطني
وكان سناء آخر الدهر بـاقـيا

أرادوا ليثنوني فقلت تجـنـبـوا
طريقي فمالي حاجة من ورائيا

فدى لبني عم أجابوا لدعـوتـي
شفوا من القرعاء عمي وخاليا

كأن بني القرعاء يوم لقيتـهـم
فراخ القطا لاقين صقراً يمانيا

تركناهم صرعى كان ضجيجهم
ضجيج دباري اليب لاقت مداويا

أقول وقد أجلت من اليوم عركة
ليبك العقيليين من كان بـاكـيا

فإن بقرى سـحـبـل لأمـارة
ونضح دماء منهم ومـحـابـيا

ولم اترك لي ريبة غير أنني
وددت معاذاً كان فيمن أتانيا

شفيت غليلي من خشينة بعد ما
كسوت الهذيل المشرفي اليمانيا

ومن الطبيعي أن يتحدث الفارس عن أسلحته وأدوات قتاله ؛ لأنها القوة التي يعتمد عليها. والأسلحة التي تحدّث عنها جعفر، هي الأسلحة التي عُرفت في ذلك الزمان من سيوف ورماح وغيرها. وسيوف جعفر بن علبة وقومه بني الحارث بن كعب، كما هي سيوف العرب آنذاك، من السيوف القاطعة التي تُطبع بأرض الهند، ويقال عن الواحد منها: الهندي، والمهند، والهندواني، يقول جعفر:

ليختضيمن الهندوائي منهم
معاقد بخشاها الطبیب المزاول

أما السيوف المشرفية فإنها تفرج الكروب والشدائد عند اللقاء:

ففرج عنا الله مرحى عدوّنا
وضرب بييض المشرفية خابل 

إذا ما ابتدرنا مأزقاً فرجت لنا
بأيماننا بيض جلّتها الصياقل

وجعفر من الفرسان الذي يقتحمون الأهوال، ولا يهابون الموت: 

فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
لشيء ولا أني من الموت أفرق 

وكيف وفي كفي حسام مُذلّق 
يُعَض بهامات الرجال ويغلق

والفروسية تتطلب الصبر فهو يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، وجعفر يصبر عندما يلاقي الأعداء ويقاتلهم في ساحة الحرب، وقد بلغ الصبر عنده ذروته وهو في سجنه، ينتظر القتل، فلم يهن ولم يجزع، وإنما لهج لسانه بمقطوعات البطولة والفخر واحدة تلو الأخرى.

ولا أدل على صلابة جعفر ورباطة جأشه من تلك الرواية التي أوردها أبو الفرج الأصفهاني، وجاء فيها: " عندما أخرج جعفر للقود، قال له غلام من قومه : أسقيك شربة ماء بارد ؟ فقال له: اسكت لا أم لك، إني إذاً لمهياف. وانقطع شسع نعله فوقف فأصلحه، فقال له رجل: أما يشغلك عن هذا ما أنت فيه ؟ فقال:

أشد قبال نعلي أن يراني
عدوي للحوادث مستكينا 

و هو لا یری السكر عیباً و عاراً، و نما العار آن یکون الفتی لئیماً: 

لقد زعموا أني سكرت وربـمـا
يكون الفتى سكران وهو حلـيم

لعمرك ما بالسكر عار على الفتى
ولـكـن عـاراً أن يقـال لـئيم

وإن فتى دامت مواثيق عـهـده
على دون ما لاقـيتـه لـكـريم

وما دمنا بصدد الحديث عن صفات جعفر بن علبة وأخلاقه، فلا بأس في الإشارة إلى أن د. عبد المعين الملوحي قد أدرج هذا الشاعر بين الشعراء اللصوص مستنداً في ذلك إلى عبارة وردت في خزانة الأدب ، وهذا نصها: "وكان جعفر بن علبة شاعراً صعلوكاً "، وفسر الملوحي كلمة (صعلوك) على أنها (لص)"، ويبدو أنه لم يطلع على ما ذكره البغدادي نفسه في ترجمته المطولة لجعفر بن علبة في موضع آخر من خزانة الأدب حيث نعته بقوله " شاعر مُقل غزل فارس مذكور في قومه ". 

ونحن لا نعدم أن نجد بين أصحاب كتب التراجم القدامى من وصف جعفراً بأنه كان لصاً، فمثل هذا نجده عند المرزباني (ت 384هـ) في معجم الشعراء"، والحافظ ابن ماكولا (ت 475هـ) في كتابه " الإكمال ". ولكن ابن الكلي، وابن دريد، وأبا الفرج الأصفهاني، والآمدي – وهم سابقون للمرزباني – ترجموا لجعفر ابن علبة ووصفوه بأنه شاعر فارس، ولا نجد في عباراتهم ما يشير إلى أنه كان لصاً، كما أننا لم نعثر في مصادر أخباره وأشعاره على أي خبر أو رواية تشير إلى أنه كان يغير للنهب أو السلب، أو أنه كان قاطع طريق، وإنما تُجمع الروايات على أنه كان يغاور بني عقيل بسبب دماء وثارات بينه وبينهم. ويبدو أن د. عبد المعين الملوحي لم يكن مطمئناً إلى إدراج جعفر بن علبة بين لصوص العرب الذين جمع شعرهم، فقال: "... ومع ذلك فلست على ثقة في إدراج جعفر بين لصوص العرب حتى أتبين صحة ذلك أو خطاه. وعلى كل حال فقد استطعت أن أجمع أخبار هذا الشاعر وأشعاره، وفي هذا بعض ما يكفر عن ذني إليه حين عددًئه من الشعراء اللصوص ".
• وفاته:
مات جعفر بن علبة مقتولاً في قصاص، في خبر اختلف فيه على أقوال: منها أنه قتل رجلاً من بني عقيل يقال له خشينة، فاستعدى العقيليون عامل مكة زمن أبي جعفر المنصور، وأحضرت عقيل خمسين رجلاً أقسموا أن جعفر قتل صاحبهم، فأقاد منه السري بن عبد الله الهاشمي عامل المنصور على مكة " وذكر صاحب " الأغاني أن الذي ضرب عنق جعفر بن علبة هو الجبة بن كليب أخو المجنون، وهو أحد بني عامر بن عقيل، وقال في ذلك: 

شفى النفس ما قال ابن علبة جعفر
وقولي له اصبر ليس ينفعك الصبر

هوى رأسه من حيث كان كما هوى
عقاب تدلى طالباً جانب الـوكـر

أبا عـارم، فـينـا عـرام وشـدة
وبسطة أيمان سواعدهـا شـعـر

هم ضربوا بالسيف هامة جعـفـر
ولم ينجه بر عريض ولا بـحـر

وقدناه قود البكر قسـراً وعـنـوة
إلى القبر حتى ضم أثوابه القـبـر

وروى التبريزي (ت 502 هـ) أن جعفرا عندما أخرج من السجن، وأتى به ليقتل قصاصاً، باغته أحد بنى عقيل واسمه رحمة بن طواف وضرب عنقه"، ومثل ذلك ذكره المرزباني في ترجمته لعلبة الحارثي ". وإذا كانت المصادر قد أجمعت على أن حياته قد انتهت بالقتل، فإن الآراء قد تباينت في تحديد زمن قتله، ويمكننا أن نجملها في رأيين: أحدهما يرى أنه قتل زمن أبي جعفر المنصور، وهو رأي أبي الفرج الأصفهاني ومن نقلوا عنه من أمثال البغدادي في " خزانة الأدب ، والعباسي في " معاهد التنصیصں ، وهما ينصان على أن جعفراً من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. أمّا ثانيهما فإنه يرى أن جعفراً قتل في خلافة هشام بن عبد الملك، وهو رأي المرزباني في معجم الشعراء والتبريزي في شرح ديوان الحماسة، وعلى رايهما فان جعفر بن علبة يكون من شعراء العصر الاموي.

وذكر خبره في كتاب للنضر بن حديد فخالف هاتين الروايتين وقال فيه كان جعفر بن علبة يزور نساء من عقيل بن كعب وكانوا متجاورين هم وبنو الحارث بن كعب فأخذته عقيل فكشفوا دبر قميصه وربطوه إلى جمته وضربوه بالسياط وكتفوه ثم أقبلوا به وأدبروا على النسوة اللاتي كان يتحدث إليهن على تلك الحال ليغيظوهن ويفضحوه عندهن فقال لهم يا قوم لا تفعلوا فإن هذا الفعل مثلة وأنا أحلف لكم بما يثلج صدوركم ألا أزور بيوتكم أبدا ولا ألجها فلم يقبلوا منه فقال لهم فإن لم تفعلوا ذلك فحسبكم ما قد مضى ومنوا علي بالكف عني فإني أعده نعمة لكم ويدا لا أكفرها أبدا أو فاقتلوني وأريحوني فأكون رجلا اذى قوما في دارهم فقتلوه فلم يفعلوا وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء ويضربونه ويغرون به سفهاءهم حتى شفوا أنفسهم منه ثم خلوا سبيله فلم تمض إلا أيام قليلة حتى عاد جعفر ومعه صاحبان له فدفع راحلته حتى أولجها البيوت ثم مضى فلما كان في نقرة من الرمل أناخ هو وصاحباه وكانت عقيل أقفى خلق الله لأثر فتبعوه حتى انتهوا إليه وإلى صاحبيه والعقيليون مغترون وليس مع أحد منهم عصا ولا سلاح فوثب عليهم جعفر بن علبة وصاحباه بالسيوف فقتلوا منهم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا فاستعدت عليهم عقيل السري بن عبد الله الهاشمي عامل المنصور على مكة فأحضرهم وحبسهم فأقاد من الجارح ودافع عن جعفر بن علبة وكان يحب أن يدرأ عنه الحد لخؤولة أبي العباس السفاح في بني الحارث ولأن أخت جعفر كانت تحت السري بن عبد الله وكانت حظية عنده إلى أن أقاموا عليه قسامة أنه قتل صاحبهم وتوعدوه بالخروج إلى أبي جعفر والتظلم إليه فحينئذ دعا بجعفر فأقاد منه وأفلت علي بن جعدب من السجن فهرب قال وهو ابن أخي جعفر بن علبة فلما أخرج جعفر للقود قال له غلام من قومه أسقيك شربة من ماء بارد فقال له أسكت لا أم لك إني إذا لمهياف وانقطع شسع نعله ..... الخ القصة .. .
وتناقلت كتب الأدب الحكاية المأساوية التى رواها صاحب الأغانى بسنده إلى أبي عبيدة وصوّر فيها مأتم جعفر بن علبة قائلاً: لما قتل جعفر بن علبة قام نساء الحي يبكين علیه، وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة فنحر أولادها، وألقاهـا بین آیدیها وقال : أبكين معنا على جعفر ! فما زالت النوق ترغو، والشاة تثغو، والنساء يصحن ويبكين وهو يبكي معهن، فما رئي يوم كان أوجع وأحرق مأتماً في العرب من يومئذ. ونقل أبو الفرج الأصفهاني أيضاً رواية لأبي عمرو الشيباني مفادها أن بنتاً ليحيى بن زياد بن عبيد الله الحارثي"حضرت الموسم في ذلك العام فلمّا قتل جعفر كفنته واستجادت له الكفن، وبكته وجميع من كان معها من جواريها، وجعلن يندبنه بأبياته التى قالها قبل قتله، ومنها:

أحقـاً عباد الله أن لسـت رائياً
صحاري نجـد والريـاح الـذواريا 

ولم تُحدد المصادر القديمة سنة لوفاة جعفر بن علبة، إلا أن بعض المحدثين جعل وفاته سنة 145 هـ ، في حين جعلها آخرون سنة 125 هـ .

[ شاعريته ] 
أجمع المؤرخون وأصحاب كتب التراجم على أن جعفر بن علبة شاعر مُقل، ولم نقع علی ذکر دیوان له، کما اننا ، نجد احداً ممن ترجموا له او ذکروه ینسبب له ديوان شعر، وإنما جاءت أشعاره قطعاً متناثرة في المصادر.
واکتسب شعر جعفر علی قلته، شهرة و استحساناً؛ لذلك کان موضع أستشهاد لدى الكثيرين من النحويين واللغوين وأصحاب معاجم البلدان إضافة الى أصحاب المختارات الشعرية، الذين دونوا بين طياتها أبياتاً من شعره. وكان أبو تمام من أوائل الذين استحسنوا أبياتاً من شعر جعفر، فاختار له أربع مقطوعات، أستهل بثلاث منها باب الحماسة في مختاراته ، وتناقلها عنه أصحاب كتب الحماسة، والمختارات الشعرية. وعرف جعفر بمقطوعاته الغزلية، لذا عدّه أصحاب كتب التراجم شاعراً غزلاً، ومن غزله قوله في وصف طيف المحبوبة . 

هواي مع الركب اليمانين مصعد
جنيـب وجـثمــاني بمـكة موثق

عجبت لمسراها وأنى تخلصت
إلي وباب السجن دونى مغلق

ألمت فحيت ثم قامت فودعت
فلما تولت كادت النفس تزهق

فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
لشيء ولا أني من الموت أفرق

وهذه الأبيات من قصيدة حماسية له، نظمها في السجن. وقد أدخلت هذه الأبيات في باب الحماسة "؛ لأن قائلها يستهين بما اجتمع عليه من الحبس والقيد ويتبجح بالصبر على الشدائد. وكانت هذه الأبيات من الأصوات المختارة للغناء، التي تنافس ثلاثة مغنين في غنائها، وافتتح بها أبو الفرج الأصفهاني الفصل الذي خصصه للحديث عن أخبار جعفر وأشعاره في كتابه الأغاني. ووجد علماء النحو في شعر جعفر شواهد يدللون بها على قواعدهم النحوية. فقوله:

فقــالوا لنــا ثنتان لا بد مـنهـما
صدور رماح أشرعت أو سلاسل

أوردته كتب النحو شاهداً على مجيء أو للتقسيم. فقد جعل إحدى الثنتين لمن يقتل منهم، وجعل الأخرى، وهي السلاسل لمن يؤسر. وقوله : 

إذا ما أتيت الحارثيات فانعني
لهـن وخـبرهن آن لا تلاقـیا

استشهدوا به علی جواز زیادة ما بعد إذا .

وآوردوا بیته:

ألمت فحیت ثم قامت فوڈعت
فلما تولت كادت النفس تزهق

شاهداً علی ورود الألفاظ " ألمت " و " حيت " و " قامت " و "وڈعت و تولت و كادت أفعالأ ماضية لقبولها تاء التأنيث الساكنة ".
و هناك ابیات آخری من شعر جعفر، اوردها النحاة في کتبهم، واستشهدوا بها على قواعدهم النحوية، لا يتسع المقام لسردها، وذكر مواضع استشهادهم بها. أما قوله: 

کان العقیــلیین حـین لقیتهم
فراخ القطا لاقین اجدل بازیا 

فقد أوردته معاجم اللغة شاهداً على أن أجدل تكون صفة للصقر في بعض الكلام، و اسماً له في بعض اللغات، فإذا جعلته نعتاً، قلت صقر أجدل، وصقور جدل. وإذا تركته اسماً للصقر، قلت: هذا الأجدل ؛ لأن الأسماء التى على أفعل تُجمع على فعل إذا نعت بها، فإذا جعلتها أسماء محضة جمعت على أجادل .
ولم تخل المصادر من أبيات من شعر جعفر تظهر سبقه الى معان أخذها الشعراء عنه وتداولوها في أشعارهم، ومن ذلك ما لاحظه عبد القادر البغدادي من أن المتنبی في قوله: 

فكنت السيف قائمه إليهم
وفي الأعداء حدك والغرار

أخذ معناه من قول جعفر:

لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل
ولي منه ما ضـمّت عـليه الأنامل

وقد كرر جعفر هذا المعنى في قولة:

نقاسـمهم أسـيافنا شر قسـمة
ففينا غواشيها وفيهم صدورها

وعلماء البلاغة أيضاً احتجوا بأبيات من شعره، فها هو الخطيب القزويني يورد قوله: 

هواي مع الرکب الیمانین مُصعد
جـنيب وجثماني بمـكة مـوثق 

شاهداً على تعريف المسند إليه بإضافته إلى شيء من المعارف، إذ هي أخصر طريق إلى إحضاره إلى ذهن السامع، وذلك في قوله: هواي أي "مهويي وهو أخصر من قولهم: " الذي أهواه ، أو غير ذلك والاختصار مطلوب لضيق المقام وفرط السامة لکونه في السجن، و حبیبه علی الرحیل ".

أما أصحاب المعاجم الجغرافية فقد استدلوا بأبيات كثيرة من شعره في ضبط أسماء بعض المواضع وتحديد مواقعها، فياقوت الحموي أورد (19) بیتاً من شعره في معجم البلدان "، وأورد أبياتاً من شعره أيضاً أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم "، وصفي الدین البغدادي في مراصد الاطلاع. ومن عرضنا الموجز لشاعرية جعفر بن علبة الحارثي، نستطيع القول: إن جل المتبقي من شعره القليل إنما هو مقطوعات وقصائد، تدور حول معاناته في السجن، ورثائه لنفسه، وهو ينتظر القتل قصاصا. وشعر في هذا الستوی الفني الجيد، ينظم في الحبس، والموت يحيط بقائله، إنما يدل، بلا شك، على شاعرية خصبة، وموهبة فذة. وينطبق عليه، في رأينا، ما قاله الجاحظ بشأن طرفة بن العبد، وعبد يغوث الحارثي، أحد اجداد جعفر من انه "ليس في الارض أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث الحارثي وذلك أننا إذا قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية "
ونحن نرجح أن كثيراً من شعره لم يصلنا، ومما يساعدنا في ترجيحنا:
1) إن الكثير من مصادرنا الأدبية ومجاميعنا الشعرية، لم يتح لها رؤية النور بعد، فالكثير من المصادر والمجلدات لا نعرف عنها غير أسمائها. ولعل الأيام تكشف لنا عن وجود بعضها، فتتيح للباحثين أن يطلعونا على جوانب جديدة من شعر جعفر بن علبة وغيره من الشعراء.
2) ان جميع اشعارة التي جمعناها تتعلق بحادثة سجنة ورثائة لنفسة وهي اشعار نظمت في ظروف غير عادية، ولكنها في الوقت نفسه تدل على نضج فني وموهبة شعرية، مما يجعلنا نرجح أن له أشعاراً في موضوعات أخرى نظمها قبل سجنة ولكنها ن تصلنا.
3) ذكر صاحب المؤتلف والمختلف أن الشاعر الأموي معاذ بن سنان المعروف بلقب الأعشى القشيري "كان يغاور بني الحارث ويناقض جعفر بن علبة ". ولم تحتفظ لنا المصادر إلا بأبيات معدودة من شعر جعفر بن علبة في مناقضته للأعشى القشيري، مما يدل على أن شعراً من تلك المناقضات لم يصلنا.
4) على الرغم من اننا كما اسلفنا لم نجد أحدا من أصحاب كتب التراجم ينسب ديواناً، أو مجموعاً شعرياً لجعفر بن علبة، إلا أنه يترجح لدينا أن كتاباً في أخبار جعفر وشعره كان بين يدي أبي الفرج الأصفهاني (ت 356 هـ) عندما ألف كتابه الأغاني، والذي يرجح ذلك عندنا أنه عندما ساق أخبار جعفر بن علبة، وما كابده من الحبس، كان بين يديه ثلاث نسخ من شعره وأخباره، إحداها رواها أبو عمرو الشيباني، وصنع الثانية النضر بن حديد، ونسب الثالثة لابن الأعرابي.
ومن كل أخذ أبو الفرج فقابل وحقق الأبيات والألفاظ واستطاع بذوقه النقدي أن يدفع وهم الاختلاط بين قصيدتين في رواية النضر اتفقتا في الغرض والبحر والقافية، واختلفتا في الروي، فظنهما النضر قصيدة واحدة .


[ ما وصل الينا من شعرة ]


___(1)___
(1) لا یكشیف الغماء الاً ابن حرة
یری غمرات الموت ثم يزورها 
(2) ببیض کان الملح فوق شفارها
اذا لم تطبع من دماء نمیرها 
(3) نقاسمهم اسیافنا شر قسمة
ففینا غواشیها و فیهم صدورها

هذه المقطوعة اختار منها أبو تمام البيتين (1-3) وجعلهما الحماسية رقم (5) في مختاراته ديوان الحماسة .

الرواية والمعاني:
(1) في کتاب الزهرة، والحماسة المغربیة: ولا یكشف... . والبیت علی روایة: ... لا يكشف فيه خرم، وهو حذف أول متحرك في أول بيت، وقد أجازه الخليل بن آحمد (العین: 4 / ص 260 ).
الغماء: الكرب. ابن حرة: صريح صميم لا هجنة في نسبه. غمرات: جمع غمرة، وغمرة الشيء شدته.
(2) تُطبع : تصدأ، من طبع السيف أي علاه الصدأ. نميرها: من مار الشيء إذ جرى جرياً مختلفاً. ومار الدم على وجه الأرض، وأماره غيره، أي سال. ومار ميراً: جمع الميرة، وهي الطعام يجمع للسفر.
(3) الغواشي: جمع غاشية، وغاشية السيف قائمه، وتكون الغمد أيضاً، وأراد بغواشیها: آغمادها. صدور : جمع صدر، وأراد بصدر السيف : المضرب. یقول: قاسمناهم سیوفنا ففینا مقابضها وفیهم مضاربها.

التخريج:
الأبيات (1-3) في شرح حماسة أبي تمام المنسوب لأبي العلاء: 1 / ص 75 .
البيتان (3-1) فی دیوان الحماسة: ص 13 - 14 . وهما فی حماسة أبي تمام (بشرح المرزوقي: 1 / ص 49)
و(بشرح التبریزی: 1 / ص 49) و (بشرح الاعلم الشنتمري: 1 / ص 209).
و هما ایضاً في الحماسة البصریة: 1 / ص 150 ، والحماسة المغربية: 2 / ص 667 ، والتذکرة السعدية: ص 57 ، وسمط اللالئ : 2 / ص 905 ، و کتاب الزهرة:2 / ص 683 ، والتذكرة الحمدونية: 2 / ص 424 ، .
البیت (1) في شرح نهج البلاغة: 3 / ص 278 بلا عزو.
البیت (3) في لسان العرب (مادة غشا)، وفي شرح آبیات المغنی: 2 / ص 67 ، و ورد بلا عزو في الأشباه والنظائر للخالديين: 1 / ص 97 ، وفي الفتح على أبي الفتح: ص 322 .



___(2)___
(1) وكانت عُقيل أهل ود فأصبحت
بصم الصفا والمشرفي عتابها

الرواية والمعاني:
بنو عقیل: هم بنو عقیل بن کعب بن عامر من قیس عیلان من العدنانیة، کانت مساکنهم في البحرین، ثم ساروا إلى العراق، وملكوا الكوفة والبلاد الفراتية، وتغلبوا على الجزيرة و الوصل حتی غلبهم علیها السلاجقة فتحولوا عنها إلى البحرين حيثوا كانوا أولاً. (معجم قبائل العرب 2 / ص 801 )
وصم الصفا: واحدها أصم وهو الحجر الصلب مصمت . والصفا. مفردها صفاة، وهي الصخرة الملساء، المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارف، وهي قری من ارض العرب تدنو من الريف، يقال سيف مشرفي (الصحاح: شرف).

التخريج:
تفرد ہذکر هذا البیت ونسبته إلى جعفر بن علبة صاحب التذکرة الحمدونية: 5 / ص 48.


___(3)___
(1) هواي مع الرکب الیمانین مصعد
جنیب و جثماني بمكة موثق
(2) عجبت لمسراها وائی تخلصت
إلي و باب السجن دوني مُغلق
(3) عجبت لمسراها وسرب اتت به
بعید الكرى کادت له الشمس تشرق

قال جعفر بن علبة هذه الأبيات يصف طيف المحبوبة، وهو في السجن بمكة قبل أن یقتل لدم كان علیه لبنی عقیل.

الرواية والمعاني:
(1) رواية البيت في الأغاني، وتجريد الأغاني، ومختار الأغاني:
فأما الهوى والود مني فطامح
إليكِ وجثماني بمكة موثق

وروایته في طیف الخیال:
فأما الهوى مني إليك فطامح
يمان ولكني بمكة موثق
مصعد: ذاهب في الأرض. الجنيب : المجنوب المستتبع. والجثمان: الشخص. الموثق : المقيد.
(2) في الأغاني، ومختار الأغاني، ومعاهد التنصيص: " إلي وباب السجن بالقفل مغلق

و روایة البیت في طیف الخیال:
فانی اهتدت تسري وآنی تخلصت
إلـي وباب السجـن بالعـتل مـوثق

المسری : مصدر میمي بمعنی السری. تخلصت : توصلت ،
(3) في الفتح على أبي الفتح لابن فورجة.
عجبت لمسراها و سرب سرت به
تكاد له الارض البسیطة تشـرق

السرب: الجماعة من النساء، يريد نساء رآهن معها في نومه.

(4) ألمت فحيت ثم قامت فودعت
فلمّا تولت كاذتو النفس ئزهق
(5) فما برحت حتى وددت بأنني
بما في فؤادي من دم الجوف أشرق
(6) فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
لشيء ولا أتي من الموت أفرق
(7) ولا آن نفسي یزدهیها و عیدکم
ولا أنني بالمشي في القيد أخرق
(8) وكيف وفي كفي حسام مُذلق
يعض بهامات الرجال ويعلق
(9) ولكن عرتني من هواك صبابة
كما كنت ألقى منكِ إذ أنا مُطلق

الرواية والمعاني:
(4) في حماسة أبي تمام (بشرح المرزوقي): أتتنا فحيت... . وفي حماسة أبي تمام (بشرح الأعلم الشتتمري): أتتنا فحيتنا وقامت فودعت . وفي طيف الخيال: "... فكادت عليها مهجة النفس تزهق . ألمت: من الالمام، وهو الزيارة الخفيفة. وحيت: من التحية. وزهقت النفس: خرجت بسرعة.
(6) في حماسة أبي تمام (بشرح الأعلم الشنتمري): "... ئخشعت للعدى . نخشع: تکلف اخشوع، و الحشوع یکون في الصوت و البصر و البدن. آفرق: أخاف.
(7) ف الأغاني، و شختار الأغاني: " ولا أن قلي یزدهمیه و عید هم . وفي خزانة الأدب:ولا آنا ممن یزدهیه و عید کم ، ویروی: ولا آن نفسي یزدهیها و عید کم . ازدهاه : استخفه، من الزهو والخفة. الأخرق: الذي لم يحسن عمل شيء.
(8) المذلق: الحاد القاطع.
(9) في خزانة الأدب، وشرح ديوان الحماسة المنسوب لأبي العلاء، وشرح الحماسة للأعلم الشنتمري: ولكن عرتني من هواك ضمانة . في لسان العرب: " ولكن عرتى من هواك زمانة . وفي طيف الخيال: ولكن ما بي من هواك ضمانة . الضمانة: الزمانة، وهي عدم الاستطاعة على النهوض والقيام . عرتني. عراه يعروه : أصابه ونزل به . الصبابة : رقة الشوق

التخريج:
الابیات عدا (3): فی الاغانی: 13 / ص 49-50 ، و مختار الاغانی : 3 / ص 4 .
البيتان (2-3) في الفتح على ابي الفتح: ص 45
الابیات عدا (7): فی خزانة الادب: 10 / ص 307 .
البیتان (3-4): فی الاغانی: 13 / ص 44 ، و تجرید الاغانی: 4 / ص 1410 .
الأبيات عدا (3-8): فی معاهد التنصیص: 1 / ص 120 ، وحماسة أبي تمام (بشرح المرزوقي): ص 51 - 56 ،
و(بشرح التبریزی): ص 50 - 58 و ( بشرح الأعلم الشنتمري): ص 419 – 421 .
الأبيات عدا (2-8): في شرح حماسة أبي تمام المنسوب لأبي العلاء: 1 / ص 59.
الابیات عدا (7-8): في طیف الخیال : ص 190،191 منسوبة لبعض الاعراب وکان محبوسا في سجن الطائف.
البیت (1): فی الحماسة البصریة: 2 / ص 125 .
صدر البيت (6) في معجم البلدان (باب الخاء والدال وما یلیهما).
البيتان (6-7): في خزانة الأدب: 10 / ص 303 ، ووردا بلا عزو في شرح نهج البلاغة : 3 / ص 278 .
البيت (7): في معاني أبيات الحماسة لأبي عبد الله النمري: ص 15 ، ووردا بلا عزو في شرح سقط الزند 3 / ص 1015
البیت (9): فی لسان العرب (زمن ).

___(4)___
(1) ألا هل الى فتيان لهو ولدة
سبیل وتهتاف الحمام المطوق
(2) وشربت ماء من خدوراء بارد
جرى تحت أظلال الأراك المسوق
(3) وسيري مع الفتيان كل عشية
أباري مطاياهم بصهباء سيلق

الرواية والمعاني:
(1) في معجم البلدان ومراصد الاطلاع :
ألا هل إلى ظل النضارات بالضحى
سبيل وتغريد الحمام المطوق
وعجز البيت في موضع آخر من مراصد الاطلاع: " سبيل وأصوات الحمام المطوق .
الحمام المطوق: ما کان له طوق في عنقه.
النضارات: أودية في دیار بني الحارث ہن کعب (معجم البلدان: باب النون والضاد وما يليهما).
(2) في معجم البلدان ومراصد الاطلاع :

وشربة ماء من جدورة طيب
جرى بين أفنان العضاة المسوق

جدورة : موضع في بلاد بني الحارث بن كعب (معجم البلدان: باب الجیم والدال وما يليهما).
العضاه: کل شجر یعظم له شوك.
(3) فی معجم البلدان: "... أباري مطاياهم ببيداء سملق ، وفي موضع آخر منه: " أباري مطاياهم بأدماء سملق . الأصهب من الإبل: الذي يخالط بياضه حمرة، وقد خصها بالذكر لأنها خير الإبل لسرعتها. والسيلق: الماضية في سيرها. الأدماء: الناقة البيضاء (لسان العرب: أدم)، والسملق: القفر الذي لا نبات فيه.

(4) إذا كلحَت عن نابها مج شدقها
لغاماً كمُح البيضة المترقرق
(5) وأصهب جوني كـأن بـغـامـه
تبغم مطرود من الوحش مرهـق
(6) برى لحم دفيه وأدمى أظـلـه
أجتيابي الفيافي سملقا بعد سملق

الرواية والمعاني:
(4) کلحت: کشرت في عبوس. اللغام: زبد أفواه الإبل بمنزلة اللعاب من الإنسان.
(5) جوني: يريد بعيراً جونياً، وهو الأسود المشرب جمرة . البغام: الصوت.
(6) دفا البعير: جنباه . الأظل: بطن المنسم، أو هو بطن الإصبع.
السملق: الأرض المستوية الجرداء، لا نبات فيها.

التخريج:
الاً بیات (1-6) في الاغاني: 13 / ص 54، و مختار الاغاني: 3 / ص 7.
الأبيات (1-3) في معجم البلدان (خدوراء)، وفي موضع آخر منه (جدورة).
البيتان (2،1): في مراصد الاطلاع (خدوراء)، وفي موضع آخر منه (جدورة).

___(5)___
(1) وقل لأبي عون إذا ما لقـيتـه
ومن دونه عرض الفلاة يحول
(2) تعلم وعد الشـك أنـي يشفني
ثلاثة أحـراس مـعـاً وكـبـول
(3) إذا رمت مشياً أو تبوأت مضجعا
يبيت لها فوق الكعـاب صـلـيل
(4) ولو بك كانت لا بتعثت مـطـيتـي
يعود الحفا أخفـافـهـا وتـجـول
(5) إلى العدل حتى يصدر الأمر مصدراً
وتبـرأ مـنـكـم قـالة وعـدول

قال جعفر بن علبة هذه الأبيات يحرّض أخاه ماعزاً (أبا عون).

الرواية والمعاني:
(1) فی معاهد التنصیص : "قل لأبي عون... ، والبیت علی هذه الرواية فيه خرم.
(2) في معاهد التنصيص: ... أني تشفني . عدا الشك، اترکه، یرید اترل الشك و کن علی یقین.
يشفني: يشفه: يضمره ويهزله ويذهب بعقله . الكبول: القیود، واحدها کبل.
(3) صليل: صل الشيء صليلاً: صوت صوتاً ذا رنين.

التخريج:
الأبيات في الأغاني:13 / ص 50 ، ومختار الأغاني: 3 / ص6، وهي أيضاً في معاهد التنصیصں: 1 / ص 122 .


___(6)___
(1) لعمرك إن الليل يا أم جعفر
علي وإن عللتني لطويل
(2) أحاذر أنباء من القوم قد دئت
وأوبة أنقاض لهن ذليل

قال جعفر يخاطب أمه وهو في حبسه.

الرواية والمعاني:
(1) في شرح الحماسة للتبريزي: " لعمرك إن الليل يا أم خالد .
(2) في الأغاني، ومعاهد التنصيص:
أحاذر أخباراً من القوم قد دنت ورجعة أنقاض لهن دليل
الأنقاض: جمع يقض، وهو المهزول من الإبل والخيل، كان السفر قد نقض بنيته.

التخريج:
تفرد بنسبة البيتين إلى جعفر بن علبة الأسود الغندجاني في كتابه إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري في معاني أبيات الحماسة : ص 31. والبيتان منسوبان لأبيه علبة يخاطب زوجته أم جعفر قبل أن يقتل جعفر، وصدر البيت الأول دليل على ذلك إذ أجابته بقولها:
أبا جعفر أسلمت للقوم جعفراً فمُت كمداً أو عش وأنت ذليل
(الاغانی: 13 / ص 52 ، ومعاهد التنصیص: 1 / ص 125). ومما يؤيد نسبتهما إلى أبيه علبة ورود البيتين في حماسة أبي تمام (شرح التبريزي): 1 / ص 59 ، مع ثالث لهما وهو:
العمر ان ابنی غداة تقودهٔ غقیل لنائی الناصرین ذلیل
• الاصح أن ينسب البيتان الى علبة الحارثي، ويبدز ن الغندجاني أراد أن يصحح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري فوقع في الغلط.


___(7)___
(1) وسائلة عنا بغیب وسائل
بمصدقنا في الحرب كيف تحاول
(2) عشیة قری سحبل اذ تعطفت
علینا السرایا والعدو الباسل
(3) ففرج عنا الله مَرحى عدؤنا
وضرب ببيض المشرفیة خابل

الرواية والمعاني:
(2) في ديوان الحماسة، وديوان الحماسة (بشرح المرزوقي ) و (بشرح التبريزي)، ومعجم ما استعجم، وجمهرة أنساب العرب، ومعجم البلدان، وشرح نهج البلاغة، وشرح أبيات المغني، وشرح ديوان الحماسة المنسوب لأبي العلاء:

ألهفى بقرى سحبل حين أخلـبت
علـينا الـولايا والـعدو المـباسل

أحلبت: أعانت . الولايا: الواحدة ولية، وقيل الولايا: النساء، حملوهن معهم ليثبتوا ولا ينهزموا. وقيل الولايا: يراد بها المنايا. ورواية البيت في ديوان الحماسة ( بشرح الأعلم الشنتمري )، وشرح شواهد المغني للسيوطي، ولسان العرب: ألهفى بقرى سحبل حين أجلبت علينا الولايا والعدو المباسل
أجلبت : رفعت اصواتها. قری: بضم آوله و تشدید ثانیه موضع ببلاد بنی الحارث. وقد أضافه جعفر بن علبة إلى سحبل وهو واد بديار بني الحارث بن كعب، فدل على أنهما متصلان (معجم ما استعجم : القاف والراء وما يليهما). السرایا: جمع سرية، وهي الطائفة من الجيش . المباسل : من المباسلة، وهي المصاولة في الحرب.
(3) المرحى: الموضع الذي تدور عليه رحى الحرب، خابل: الضرب الخابل، أي الشديد القاطع، والخبل: قطع الأيدي والأرجل.


(4) إذا ما قرى هام الرؤوس اعترامها 
 تعاورها منهم أكفّ و كاهل

(5) ولما أبوا إلا المضي وقد رأوا 
 بأن ليس منا خشية الموت ناكل‌

(6) حلفت يمیناً برهٔ لم آرد بها 
 مقالة تسميع و لا قول باطل

(7) ليختضمنّ الهندوانيّ منهم‌ 
 معاقد يخشاها الطبيب المزاول

(8) و قالوا لنا ثنتان لا بد منهما 
 صدور رماح أشرعت أو سلاسل‌

(9) فقلنا لهم تلكم اذاً بعد کرة 
 تغادر صرعي نهضها متخاذل

(10) ولم ندر إذ حضنا من الموت جيضة 
 كم العمر باق والمدى متطاول

الرواية والمعاني:
(4) قراه: آطعمه القری، وهو کنایة عن کثرة الضرب . اعترامها: اشتدادها. تعاورها: تداولها. الکاهل : مقدم آعلی الظهر مما یلي العنق.
(6) البيت فيه إقواء. التسميع: التشهير والتشنيع
(7) الاختضام: القطع. الهندواني: السيف المنسوب إلى الهند.
(8) في الأغاني، ومختار الأغاني، وديوان الحماسة (بشرح الأعلم الشنتمري): وقالوا... . ومعنى الشطر الثاني إما قتل أو أسر؛ لأنه كنى بالسلاسل عن الأسر.
(9) في الأشباه والنظائر للخالديين: " وقلنا... . في شرح أبيات المغني: تغادر صرعى نوؤها متخاذل .
النوء: النهوض بجهد ومشقة.
(10) في لسان العرب، وشرح الحماسة المنسوب لي العلاء، والتذكرة السعدية، وشرح الحماسة للتبريزي، وشرح نهج البلاغة، وكتاب الأفعال للسرقسطي: ولم ندر إن حضنا.... جاض: حاد وعدل عن الأمر. ومعناه: لم ندر إن حدنا عن القتال الذي فيه الموت كم يكون بقاؤنا، فلم نحد .


(11) إذا ما ابتدرنا مأزقاً فرجت لنا 
 بأيماننا بيض جلتها الصياقل

(12) وقتلى نفوس في الحياة زهيدة 
 إذا اشتجر الخطي والموت نازل

(13) نراجعهم في قالة بدأوا بها 
 كما راجع الخصم البذي المناقل

(14) لیهن عقیلاً انني قد ترگتها 
 ینوء بقتلاها الذئاب الهوامل

(15) لهم صدر سیفي يوم بطحاء سحبل 
 ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل

الرواية والمعاني:
(11) في عيون الأخبار: إذا القوم سدّوا مأزقاً فرجت لنا .
وعجز البيت في الأشباه والنظائر للخالديين: " مضائقه بيض جلتها الصياقل .
المأزق: المضيق في الحرب . الصياقل: جمع صيقل وهو شحاذ السيوف وجلاؤها.
(13) البذي. الذي يفحش في كلامه. المناقل: الذي يتحدث مع غيره ويناقله.
(15) في الحماسة المغربية، واللسان: " لهم صدر سيفي يوم صحراء سحبل .
في عيون الأخبار: " لهم صدر سيفي يوم برقة سحبل .
وفي شرح الحماسة للتبريزي: یروی ضمت بفتح الضاد، و معناه: قبضته الانامل،
ویروی بضمها، ومعناه: قبضت عليه الأنامل.

التخريج:
الابیات عدا (11،14) فی الاغاني: 13 / ص 47-48 ، و مختار الاغاني : 3 / ص 5-6.
الاًبیات (2،8-11،15) في شرح ابیات المغنی : 2 / ص 60 ، وفي شرح دیوان الحماسة
المنسوب لي العلاء المعري: 1 / ص 54-55 .
الابیات (9،2-12،15) فی دیوان الحماسهٔ : ص 13-14 ، و شرح الحماسهٔ للمرزوقي: 1 / ص 45-50 ، وشرح الحماسة للتبريزي : 1 / ص 43-49 ، و شرح الحماسة للاعلم الشنتمري: 1 / ص 259-260.
الابیات (2،9،10) فی شرح شواهد المغني للسیوطي: 1 / ص 203.
الابیات (15،10،2) فی الا شباه والنظائر للخالدین: 1 / ص 96.
البیتان (15،2) في لسان العرب (سحبل).
البیت (2): فی جمهرة آنساب العرب: ص 417 ، و معجم البلدان (قری)، و شرح نهج البلاغة 8 / ص 8 بلا عزو.
البیت (8): ورد بلا عزو فی همع الهوامع: 2 / ص 134، و شرح الاشموني: 2 / ص 464 ،
و مغنی البیب: 1 / ص 65 ، و شرح شواهد المغنی : 1 / ص 203.
البیت (10): في تصحیح التصحیف: ص 47 ، و صدر البیت في شرح ما یقع فیه التصحیف: ص 481 .
وورد بلا عزو في الافعال للسر قسطي: 2 / ص 310 ، وفي اللسان (جیض).
الابیات (11،15،12) في التذکرة السعدیة: ص 56.
الابیات (15،14،11) فی عیون الاخبار: 1 / ص 193.
البيتان (15،11) في سمط اللالئ: 2 / ص 905، وفي الحماسة المغربیة : 2 / صں 666.
البیت (11) في لسان العرب (جیض).
البیت (15) في الفتح علی أبي الفتح لابن فورجة: ص 322 ، و صدر البیت (15) في شرح آبیات المغني: 2 / ص 63.


___(8)___
(1) إذا باب دوران ترنم في الـدجـى
 وشد بأغلاق علـينـا وأقـفـال
(2) وأظلم ليل قام علج بـجـلـجـل
 يدور به حتى الصباح بإعـمـال
(3) وحراس سوء ما ينامون حـولـه
 فكيف لمظلوم بحيله مـحـتـال
(4) ويصبر فيه ذو الشجاعة والنـدى
 على الذل للمأمور والعلج والوالي

قال جعفر بن علبة هذه الأبيات وهو في حبس دوران مع رجل من قبيلته، بني الحارث بن كعب،

الرواية والمعاني:
(1) في الوافي بالوفيات: "... وشدّ بأغلال علينا وأقفال .
(2) رولية البيت في الوافي بالوفيات:
وأقبل ليل قام علج بجلجل بلا رؤية حتى الصباح بأعمال .
(4) في الوافي بالوفيات: "... على الذل والمأمور والعلج والوالي .

التخریج :
الأبيات في الأغاني: 12 / ص 44-45 ، ومختار الأغاني: 3 / ص 4 ، وهي أيضاً في الوافی بالوفیات: 11 / ص 113.


___(9)___
(1) وقد قلت يوماً للفريقين عرجا
 علي وشدالي على جملي رحلي
(2) ولائعجلاني بارل الله فیكما
 فقد کنت وقافا علی ذي هوی مثلي

التخريج:
تفرد بإيراد هذين البيتين ونسبتهما إلى جعفر بن علبة الخالديان في الأشباه والنظائر 1 / ص 125 .


___(10)___
(1) لقد زعموا ائي سكرت وربما
 يكون الفتی سكران وهو حلیم
(2) لعمرك ما بالسكر عار
علی الفتی ولكن عاراً ان یقال لئیم
(3) وإن فتی دامت مواثیق عهده
 علی دون ما لاقيته لكریم

• روى صاحب الأغاني بسنده إلى أبي عبيدة أن جعفر بن علبة الحارثي شرب حتى سكر، فأخذه السلطان فحبسه،
فقال في حبسة هذه الأبيات (الأغاني: 13 / ص 44)

الرواية:
(3) في الأغاني (طبعة الدار): " وإن امرأ... ".
في الوافي بالوفيات: "... على مثل ما لاقيته لكريم ، وهو الأنسب للسياق.

التخريج:
الأبيات في الأغاني: 12 / ص 44 ، ومختار الأغاني: 3 / ص 4، وهي أيضاً في الوافي بالوفیات: 11 / ص 13.


___(11)___
(1)أشارت لنا بالكف وهي حزينة
 تودعنا إذ لم يودع سلامها
(2) وما أنس م الأشياء لا أنس قولها
 وقد زل عن غر الثنايا لثامها
(3) أما من فراقي اليوم بد ولا النوى
 بمجتمع إلا لشحط لمامها
(4) فلو كنت أبكي من فراق صبابة
 لأذريت عيني دمعة لا ألامها
(5) ولكن لي عينا كتوما بمائها
 جمودا بماء الناظرين انسجامها
(6) وخبرئها تهدي السلام ودونها
 جبال السرى تثليثها وإكامها
(7) فان التي اهدت علی نأي دارها
 سلاما لمردود علي سلامها

الرواية والمعاني:
(1) رواية البيت في التذكرة الحمدونية:
أشارت بطرف العين وهي حزينة تودعنا إذا لم يبين كلامها
(2) الثنايا: واحدتها ثنية، الأسنان في مقدم الفم (اللسان: ثني).
(3) الشحط: البعد (اللسان شحط)اللمام: اللقاء اليسير، واحدتها لمة (اللسان:لمم).
(4) رواية البيت في التذكرة الحمدونية:
فلو کنت آبكي للفراق صبابة شفى بعض وجدي من جفوني انسجامها
لا ألامها: أي لا ألام عليها.
(5) في التذكرة الحمدونية:
ولكنها عين كتوم بمائها إذا ماحبال الوصل جد انصرامها
(6) تثلیثها: تثلیث موضع بالحجاز قرب مكهٔ.

التخريج:
الأبيات (1-5) في أمالي اليزيدي: ص 110 ، وهي في كتاب مراث وأشعار وأخبار ولغة لليزيدي: ص 321.
الأبيات (1،4،5،6،7) في التذكرة الحمدونية: 9 / ص 80.


___(12)___
اشـد قبال نعلي ان یرانـي 
عـدوي للحـوادث مُستكینا


* ذكر صاحب الأغاني أنه لما أخرج جعفر بن علبة للقود انقطع شسع نعله، فوقف فأصلحه، فقال له رجل: أما يشغلك عن هذا ما أنت فيه ؟ فقال هذا البیت . (القود: قتل النفس بالنفس).

المعاني:

قبال النعل : شسعها، والشسع آحد سیورها، وهو الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل.

التخريج:

ورد البيت في الأغاني: 13 / ص 52 ، و مختار الأغاني: 3 / ص 10 ، و معاهد التنصیص: 1 / ص 125 ، و خزانة الادب: 10 / ص 312 ، و معجم البلدان (سحبل)، و شرح آبیات المغني: 2 / ص 64.


___(13)___
(1) الا لا أبالي بعد يوم بسحبل
 إذا لم أعذب أن يجيء حماميا
(2) ترکت با علی سحبل و مضیقه
 مُراق دم لا یبرح الدهر ثاویا
(3) شفیت به غیظي و جرب موطني
 وکان سناء آخر الدهر باقیا
(4) ارادوا لیثنوني فقلت تجئبوا
 طريقي فما لي حاجة من ورائيا
(5) فدى لبني عم أجابوا لدعوتي
 شقوا من بني القرعاء عمّي وخاليا

• قال جعفر بن علبة هذه الأبيات، وهو في حبسه، يفخر بإغارته على بني عقيل، وقتله عدداً من رجالهم بوادي سحيل.

الرواية والمعاني:
(1) في المؤتلف والمختلف، والوافي بالوفيات، وديوان الحماسة (بشرح المرزوقي): ألا لا أبالي بعد يومي بسحبل . ومعنى البيت: أي لا أبالي بالموت إذا سلمت من عذاب الله تعالى .
(2) في المؤتلف والمختلف : فإن بأعلى سحبل ومضيقه .
في ديوان الحماسة (بشرح التبريزي) و(بشرح المرزوقي)، وفي معاني أبيات الحماسة، وشرح الحماسة المنسوب لأبي العلاء: " تركت بجنبي سحبل وتلاعه " وقي شرح آبیات المغني: تُركت بأعلى سحبل وبضيقه .
المراق: المصبوب. لايبرح الدهر ثاويا: لايراق دم، ولا يؤخذ لصاحبة ثأر.
(3) في معجم البلدان: " شفيت به غيظي وحزت مواطني "
موطني: موقفي.السناء: المجد والشرف والرفعة.
(5) فی معجم البلدان: فدای لبنی عمی. . . .
(6) کان العقیلیین حين لقيتهم فراخ القطا لاقین اجدل بازیا
(7) ترکناهم صرعی کان ضجیجهم ضجیج دباري النیب لاقت مداویا
(8) أقول وقد أجلت من اليوم عركة ليبكِ العقيليين من كان باكيا
(9) فان بقری سحبل لامارة ونضح دماء منهم و محابیا

الرواية والمعاني:
(6) في الأغاني، ومختار الأغاني، ومعجم البلدان:
كان بني القرعاء يوم لقيتهم فراخ القطا لاقين صقراً يمانيا
و صدر البیت في لسان العرب: " کان بنی الدعماء إڈ لحقوا بنا ".
وفي الحماسة الشجرية:
کان عيون القوم حين يرونه عیون بغاث الطیر ابصرن بازیا
(7) في التذكرة السعدية:
وضج العقيليون يوم لقيتهم ضجيج الجمال الدبر لاقت مُداويا .
دباري النيب: التى أصابها الدبر، فهي دبراء. أي الإبل الجربى إذا لقيت من يداويها بالكي وغيره.
(8) في مجموعة المعاني لمؤلف مجهول: " أقول وقد أجلت عن القوم صرعة ،
وفي معجم البلدان: " أقول وقد أجلت من القوم عركة ". العركة: المرة من العراك.
(9) في معجم البلدان: " فإن بقرني سحبل لإمارة ، وأظنه تحريفاً؛ لأن ياقوت يتكلم عن قری.
(10) و ائرك لي ريبة غير أنني و ددت معاذاً کان فیمن اتانیا
(11) فتصدقه النفس الكذوب بسالتي ويعلم بالعشواء أن قد رآنيا
(12) شفیت غلیلي من خشینة بعد ما کسوت الهذیل المشرفي الیمانیا
(13) أحقاً عباد الله أن لست رائيا صحاري نجد والرياح الدّواريا
(14) ولا زائراً شم العرانين أنتمي إلى عامر يحللن رملاً مُعاليا
(15) إذا ما أتيت الحارثيات فانعني لهن وخبرهنَ ان لا تلاقیا

الرواية والمعاني:
(10) في المؤتلف والمختلف، والتذكرة السعدية، والوحشيات (الحماسة الصغرى):
" وليس ورائي حاجة غير أنني ".
في مجموعة المعاني لمجهول: " ولم تبق خلفي حاجة غير أنني ".
ورواية البيت في معجم البلدان:
"ولم أر لي من حاجة غير أنني وددت معاذا کان فیمن اتانیا "
معاذاً: هو معاذ بن كليب بن حزن بن معاوية، وقيل الأشيم بن معاذ بن سنان، كان يناقض جعفر بن علبة، وكانا متعاصرين في أيام هشام بن عبد الملك (المؤتلف والمختلف : ص19).
(11) رواية البيت في المؤتلف والمختلف:
" فتصدقه النفس الخبيثة موطني ويوقن بالعشواء أن قد رآنيا ".
العشواء: إشارة إلى عين معاذ المذكور في البيت السابق فقد كان يلقب بأعشى بني عقيل.
(12) خشینة والهذیل: شخصان کانا فیمن التقی بجعفر من العقیلیین، فقتل جعفر خشينة وعرقب الهذيل: أي ضربه في عرقوبه.
(13) في معجم البلدان: " أحقاً عباد الله أن لست ناظراً .
(14) في معجم البلدان " ... شم العرانين تنتمي ".
(16) و قود قلوصي بینهن فانها ستبرد اکباداً وتبكي بواکیا
(17) اوصيكم ان مت یوماً بعارم لیغني شیئاً او يكون مكانیا

الرواية والمعاني:
(16) رواية البيت في شرح ديوان الحماسة المنسوب لأبي العلاء، وشرح الحماسة للمرزوقي، وشرح الحماسة للتبريزي، ومعجم الشعراء للمرزباني:

" وقود قلوصي في الركاب فإنها  
ستضحك مسروراً وتبكي بواکیا "

وذكر أبو الفرج الأصفهاني أن لهذا البيت رواية أخرى وهي:

" وعطل قلوصي في الركاب فإنها    
ستبرد اکباداً وتبكي بواکیا "

وأضاف قائلاً: وهذا البيت بعينه يُروى لمالك بن الريب في قصيدته المشهورة
الی یرثي بها نفسه (الاغاني: 13 / ص 46-47).
القلوص: الفتية من الإبل.
(17) فی معجم البلدان: " ... لیغني غنائي او یكون مكانیا ".
و عارم - کما ذکرنا - هو اسم ابن جعفر علبة، و به کان يكنى.

التخریج :
الابیات عدا (11،10) فی الاغانی: 13 / ص 45-46 ، و مختار الاغانی : 3 / ص 4-5 .
الأبيات عدا (4،7،11) في معجم البلدان (سحبل).
الابیات (1،2،6،11،9) في المؤتلف والمختلف: ص 68.
الابیات (1،2،16،15) فی دیوان الحماسة: ص 68، و شرح حماسة آبي تمام للمرزوقي: 1 / ص 356-358 ، و شرح حماسة آبي تمام للتبریزی: 1 / ص 334-345 ، وشرح حماسة أبي تمام المنسوب لأبي العلاء: 1 / ص 256-257.
البیتان (2،1) في شرح ابیات الغنی : 2 / ص 63.
البیت (1) في الوافي بالوفیات: 11 / ص 13.
البيت (2) في معاني أبيات الحماسة لأبي عبد الله النمري: ص 82.
البیت (4) فی التذکرة الحمدونیهٔ: 2 / ص 477.
الابیات (6،7،10،11) فی التذکرة السعدیة: ص 54-55.
البیت (6) ورد بلا عزو في شرح الأشموني: 2 / ص 513 ، وفي الحماسة الشجرية: 2 / ص 896، و جمهرة اللغة: ص 800، ولسان العرب (جدل )، وأوضح المسالك: 4 / ص 119 .
البیت (8): في مجموعة المعانی مجهول: ص 398.
الابیات (13،10،-17) فی معاهد التنصیص: 1 / ص 126 .
البیت (10) في مجموعة المعاني لمجهول: ص 351.
البیت (15) بلا عزو في رصف البانی: ص 382، وامالی ابن ألحاجب: ص 441 .
* البيتان (15 ، 16) شكك المرزوقي في صحة نسبتهما إلى جعفر بن علبة فقال:
وهذان البيتان لمالك بن الريب فيما أظن، وأنضما الى ابيات جعفر بن علبة على
سبیل الغلط (شرح دیوان الحماسة: 1 / ص 357). و تابعه فی ذلك التبریزی الذي قال:
وهذان البیتان یرویان فی شعر مالك بن الریب (شرح دیوان الحماسة: 1 / ص 334).
ورواية البيتين في شعر مالك: 

فیا صـاحباً اما عرضـت فبـلغن
 بني مـازن والـریب الا تـلاقـیا 

وعر قلوصي في الركاب فإنها
سـتفلق آکبـادا و تبكـي بواکیا

...

مقال - إخوان الصفا رؤية مخالفة ونص عابر للتاريخ

بقلم ثناء درويش - أديبة سورية


الرسائل في عمقها الفلسفي والروحي وفي بُعدها الرمزي، مازالت تحتفظ إلى اليوم بمصداقيتها كاملة. حين تقرأ رسائل إخوان الصفاء للمرة الأولى، كإنسان محايد ليس لديه أيُّ انطباع مسبَّق عن هذه المجموعة، سوى معرفته لزمن ظهورها في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث الهجري... حين تتأمل محتواها، مبسوطًا في 52 رسالة ، بوصفه دعوة إلى تحقيق الغاية الإلهية من وجود ابن التراب على هذا التراب... حين تستشفُّ ذلك التنظيم السرِّي الدقيق للجماعة، ولأول دائرة معارف علمية في العالم...
حين تفعل ذلك كلَّه، ستعيش الدهشة والذهول، ثم الإعجاب والإكبار، وتحني الهامَ لفكر إلهي استطاع أن يتحول إلى لغة سلسة بسيطة، يستطيع ابن هذا القرن أن يقرأها في متعة وسهولة – فلكأنَّ الرسائل قد وضعت لتُوائِم أزمنةً عديدة. لذلك، لن أقف طويلاً هنا أمام اللغط الذي أثير حولهم، أو الجدل والأخذ والردِّ حول أسمائهم وهويتهم وانتمائهم، وحتى زمن ظهورهم، ولا حول الغموض الذي اكتنف تنظيمهم؛ فقد كُتِبَ في ذلك الكثير، وتباينت الآراءُ والمواقف، كلٌّ يرى الأمر وفقًا لمنظاره الخاص. وحتى مَن وفَّاهم حقَّهم، وأكد تأكيدًا قاطعًا على هويتهم الإسماعيلية، ظلَّ – معذورًا – يساوره الشكُّ في كثير من التفاصيل الصغيرة.

كيف لا، وهؤلاء قد التجأوا إلى "كهف" تقيَّتهم، يؤثرون التحرك بعيدًا عن عين مراقِبة – إلا من أخذوا عليه عهد الله وميثاقه، واختبروا صِدْقَ ولائه، وأخضعوه لامتحان إثر آخر... كيف لا، والتاريخ مازالت تكتبُه غالبًا إما أقلام مأجورة، باعت نفسها للسلطة والدينار، فغدا كتابًا مقدسًا لازمًا، وإما أقلام تنقل آراء أسلافها دونما تمحيص أو تدقيق، حتى في أخطائها الإملائية!
لكن القلب الذي آثر نصرة الحقيقة سيسعى رابطًا الأسباب بالنتائج، سائلاً مولاه أن يلهمه الصواب في درب إجلاء سُجُف الغيب عن حياة هذه الجماعة السرِّية.


هوية إخوان الصفاء

هناك، على قمة جبل – "المشهد العالي" – يبعد حوالى سبعة كيلومترات عن مدينة مصياف السورية ، تقبع أضرحتُهم التي تُعتبَر بنظر الإسماعيليين محجَّة كلِّ مؤمن ومؤمنة، يقصدها كلُّ باحث متقصٍّ عن الحقيقة تخبر عنهم وفقًا للمخطوطات التي أُخرِجَتْ من كهف التقيَّة إلى النور وتقول: هم "إخوان الصفا، وخلان الوفا، وأبناء الحمد".

إخوان الصفاء: دعاة الإمام عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر، عليهم السلام – أول دور الخلفاء – بعد أن ختم الإمام محمد دور الأتمَّاء؛ فكان ضريحُه ذو القباب السبع في تدمر إشارة لذلك. ومنهم: عبد الله بن حمدان، وعبد الله بن ميمون، وعبد الله بن سعيد، وعبد الله بن مبارك، الذين تسموا باسمه – "العبادلة" – دعاته الحُرُم. و...

خلان الوفاء: دعاة الإمام أحمد بن عبد الله؛ وقد وضعوا الرسائل في عهده في 52 رسالة، مضافةً إليها الرسالة الجامعة ، على عدد حروف اسمه بحساب الجمَّل (حيث أحمد = 1 + 8 + 40 + 4 = 53)، وعلى عدد ركعات الصلاة من الفرائض والنوافل. و...
أبناء الحمد: دعاة الإمام حسين بن أحمد.


ومضة من حياة هؤلاء الأئمَّة

حيث يبدو لي أن معرفة تفاصيل حياة الأئمَّة ضَرْبٌ من الخيال، وهم القائلون: "لا يطَّلع على ولادتنا أو موتنا أحد"، و"ظاهرُنا إمامة، وباطنُنا غيب لا يُدرَك". حيث الإمامة عند الإسماعيلية هي المحور الذي تدور عليه عقيدتُهم؛ وهي سابعة الفرائض وأساسها، لا تصح فريضة من غير إقرار وإيمان بها. والإمام عندهم ظلُّ الله في أرضه، لا تخلو الأرض منه طرفة عين؛ هو عين الله ووجهه، وهو جنبه؛ هو القيِّم على الأنفس ووسيلتها نحو باريها، وهو الشاهد عليها يوم الحساب وفصل الخطاب.
والإمامة رديفة النبوة: ابتدأت من عهد آدم، وَمَضَتْ بحسب خطٍّ موازٍ في تسلسل سباعي، وفق نصٍّ من الأب إلى الابن الأكبر، ضمن شرط العصمة الإلهية. ومن هنا ترجع الإسماعيلية في انتسابها إلى أبعد من الإمام إسماعيل بن جعفر، إلى بدء الخلق وإلى دور آدم – عليه السلام. وتؤكد كتب الدعوة الإسماعيلية أن هؤلاء الأئمَّة الثلاثة دخلوا كهف تقيَّتهم مخافة الضد الذي ظلَّ، منذ بدء الخلق، يتربَّص بالحقِّ وأهله، حيث الخوف على سيادة الأنا أن تهتزَّ هو الدافع الأقوى. فقد وُجِدَ الأئمَّة في عصر ساد فيه التكالب على الحكم وملاحقة أهل البيت من نسل علي ، الذين دوَّتْ صرختُهم في أسماع عدوِّهم ، مقلقةً مضاجعهم، وهم يطالبون بمنصب إلهي لا يحق لمخلوق التعدِّي عليه، باعتبارهم ظل لله على أرضه وخلفائه على خلقه؛ بينما يعتبرهم العباسيون، المتقمِّصون منصبًا ليس لهم، مثيري فتنة وبلبلة لشقِّ صفوف المسلمين التي وحَّدوها بالإرهاب والظلم. وهكذا يؤثرون ولوج السَّتْر، لا خوفًا على أنفسهم، ولكنْ صونًا للسرِّ الإلهي المستودع فيهم، لتكتمل الغاية من الخلق التي أرادها الله له في حرب ضروس بين الحقِّ المقهور والباطل المهيمن.
يُعتبَر الإمام عبد الله الرضي أول الثلاثة الأئمَّة المستورين، بأمر الله ووحيه، مقابلاً للسلالة في مراحل خلق الإنسان، ومقابل آدم في تسلسل النطقاء، ومقابل الحسن، أول أسبوع الأتمَّاء. ولد في السنة 179 هجرية في مدينة محمود آباد. أمُّه الأميرة فاطمة ابنة الأمير أُبَيْ. تولَّى الإمامة في السنة 193 هجرية بعد وفاة أبيه، ليغادر تدمر إلى السلمية، ومنها إلى مصياف، قائمًا بدعوته السرِّية المنظمة، موزعًا دُعاته في جزائر الأرض، التي قسَّموها إلى اثنتي عشرة جزيرة، لتنتشر الدعوةُ انتشارًا مذهلاً، خاصة في الشرق الأدنى والمغرب. وقد توفي في مصياف في السنة 212 للهجرة، بعد أن نصَّ على ابنه أحمد، الملقب بالوفي.
أما الإمام أحمد بن عبد الله (الوفي) فقد ولد في العام 198 هجرية. وهو ممثول النطفة في سلسلة خلق الإنسان، ومقابل نوح، ثاني النطقاء، والحسين، ثاني أسبوع الأتمَّاء. تولَّى الإمامة بعد وفاة أبيه مباشرة في السنة 212 للهجرة. وكانت الدعوة حينذاك قد ازدهرت وانتشرت، خاصة في سورية واليمن، على أيدي دعاة نشيطين، مثل فرج بن حوشب، الذي ترك مجموعة من الكتب الهامة. أمضى الإمام مدة من حياته متخفيًا في الري، حيث نشر دعوته، واعتنقها أكثر الملوك والأمراء. وفي عهده وُضِعَت الرسائل وانتشرت، وأخذت تُدرس في حلقات خاصة. ثم عاد إلى مصياف ليُتوفى هناك في العام 265، ويُدفَن كأبيه في قمة جبل المشهد العالي، بعد أن نصَّ على ابنه حسين، الملقب بالتقي.
فالإمام الحسين بن أحمد (التقي) هو ثالث أئمَّة الكهف، ممثول العلقة، ومقابل إبراهيم عليه السلام من النطقاء، وزين العابدين من الأتمَّاء. ولد في السنة 212 للهجرة (وقيل 228 للهجرة) في الري، ليصبح، بعد انتقال أبيه، إمامًا للإسماعيلية. انتقل إلى همدان، ثم أذربيجان واسطنبول، حيث وزَّع دعاتَه على مختلف المناطق الإسلامية، ليعود إلى سورية، متنقلاً بين مصياف والسلمية كمركزين للدعوة. وفي عهده استُخدِمَ الحمام الزاجل للتواصل بين الدعاة. وأيضًا...
الأتمَّاء
النطقاء
الأئمَّة المستورون
الحسن
آدم
عبد الله الرضي
الحسين
نوح
أحمد بن عبد الله (الوفي)
زين العابدين
إبراهيم
الحسين بن أحمد (التقي)
نَبَغَ دُعاةٌ عظماء، جاهدوا بالقلم واللسان في نشر الدعوة؛ وعلى رأسهم الحسن بن الفرج بن حوشب المنصور، الذي أُرْسِلَ إلى اليمن ممهِّدًا لظهور الشمس من مغربها على يد الإمام المهدي. توفي الإمام الحسين بن أحمد في مصياف في العام 289 هـ، ليقام ضريحُه بقرب أبيه وجدِّه – علينا منهم أجمعين السلام.

بعد هذه اللمحة الموجزة عن أئمَّة الكهف والسَّتر، نقول: لم تكن هذه الدعوة بنظر أهلها يومًا مذهبًا كغيره من المذاهب، بل دعوةُ حقٍّ لمذهب يُفترَض فيه أن يستغرق كلَّ المذاهب، ويسمو بالنفس إلى حقيقة المذاهب الواحدة. حيث يقول الإخوان في رسائلهم :

وبالجملة ينبغي لإخواننا – أيَّدهم الله تعالى – أن لا يُعادوا علمًا من العلوم، أو يهجروا كتابًا من الكتب، ولا يتعصَّبوا على مذهب من المذاهب، لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلَّها، ويجمع العلوم جميعها. وذلك أنه هو النظر في الموجودات بأسرها، الحسِّية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليِّها وخفيِّها، بعين الحقيقة، من حيث هي كلُّها من مبدأ واحد وعلَّة واحدة وعالم واحد ونفس واحدة، محيطة جواهرها المختلفة وأجناسها المتباينة وأنواعها المفنَّنة وجزئياتها المتغيرة.

واعلم أن الحقَّ في كلِّ دين موجود وعلى كلِّ لسان جارٍ، وأن الشبهة دخولها على كلِّ إنسان جائز ممكن. فاجتهد، يا أخي، أن تبيِّن الحقَّ لكلِّ صاحب دين ومذهب مما هو في يده أو متمسِّك به، وتكشف الشبهة التي دخلت عليه، إن كنت تحسن هذه الصناعة. ولا تُشغَلنَّ بذكر عيوب مذاهب الناس، ولكن انظر هل لك مذهب بلا عيب .

لماذا وُضِعَت الرسائل؟

تشير أغلب المصادر إلى أن الخليفة المأمون كان قد جمع المنجِّمين وأنفق عليهم الأموال الجمَّة لعمل الزيج الذي باسمه – وولاة الأمر مكتومون، داخلون في كهف التقيَّة. وقد ظنَّ المأمون، لعتوِّه وكِبَرِه، أن الفاطميين قد انتهوا، ولم يبقَ للشريعة مَن يُقيم دعائمها ويوضح مراميها، وطمع في إبطال الشريعة، وأراد أن يُظهِر علم الهيئة، وجعل معرفتها الدين، وأن الهيئة المبدأ والمعاد، على معرفتها الحساب والعقاب والثواب، ليرى الخلقُ أن ما جاء به محمد – عليه الصلاة والسلام – لا أصل له، وأن الصحابة، لما تيقَّنوا ذلك، عملوا بعليٍّ ما عملوا، وأنهم في ذلك مصيبون، لا ذنب لهم ولا عَنَتَ يُنسَب إليهم في قتل ذرية النبوة.

فلما علم وليُّ الحقِّ ذلك صنَّف الرسائل، وأظهر فيها ما أظهر من علوم الفلسفة الأربعة ، ما هم عنه عاجزون، وشدَّ أركان الشريعة، فوطَّد قوانينها بالمقابلات والشواهد التي لا تختل ولا تستحيل عن المعاني بين الآفاق والأنفس، حتى أقبلت الأمَّة على حدود دينه، يُدارسونهم هذه العلوم، ووليُّ الحق عنهم مكتوم. وصنَّف الرسائل، جاعلاً أولَّها الرياضيات ، ثم الطبيعيات، ثم النفسانيات ، ورابعها الناموسيات الإلهيات، في توفيق عجيب بين ما وَرَدَ على ألسنة الحكماء من الرياضيات والطبيعيات وبين الكتب المنزلة ، كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من صحف الأنبياء. وثالثها الكتب الطبيعية، وهي صور أشكال الموجودات، بما هي عليه الآن من تركيب الأفلاك وأقسام البروج وحركات الكواكب ومقادير أجرامها وفنون الكائنات وأصناف المصنوعات على أيدي البشر وبواطنها الخفية؛ ورابعها الكتب الإلهية التي لا يمسها إلا المطهَّرون، وهي جواهر النفوس.

وتبدو غايتهم في التقريب بين الدين والفلسفة بيِّنة، في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين في وادٍ والفلسفة في وادٍ آخر، وذلك بتعريف الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، التي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم – وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء. وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلَّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية، التي نرى أبدع وصف لها بقولهم: أو هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرَّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين.

أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون.

أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون – وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون – وذلك أن علم الله تعالى محيط بما يحوي العقل من المعقولات، والعقل محيط بما تحوي النفس من الصور، والنفس محيطة بما تحوي الطبيعة من الكائنات، والطبيعة محيطة بما تحوي الهيولى من المصنوعات؛ فإذا هي أفلاك روحانية محيطات بعضها ببعض.

أو هل لك أن لا ترقد من أول ليلة القدر حتى ترى المعراج في حين طلوع الفجر، حيث أحمد المبعوث في مقامه المحمود ، فتسأل حاجتك المقضيَّة، لا ممنوعًا ولا مفقودًا، وتكون من المقرَّبين – وفَّقك الله، أيها الأخ البار الرحيم وجميع إخواننا، لفهم هذه الإشارات والرموز.

سبب تسميتهم "إخوان الصفاء"

اختلفت الآراء أيضًا حول خلفية هذا الاسم: فمن قائل بأن التسمية تعود إلى الشعر الجاهلي وما بعده؛ أو تعود إلى ابن المقفع في كتابه كليلة ودمنة، لاستشهادهم بحديث الحمامة المطوَّقة وكيف نجت من الشبكة؛ وآخر يرى أنها من دعاء للفارابي؛ وثالث يرجِّح أن أول حلقة أخوية ظهرت بين القرامطة كانت حلقة "إخوان الصفاء"؛ وربما، كما يحلِّل بعضهم، من مقابلة كلمة "أخ" وكلمة philo وكلمة "صفا" وكلمة Sophia – وهي مقابَلة غير مقنعة بطبيعة الحال. لذلك نجد أن من الأنسب، ربما، أن نعود إلى رسائلهم، لنستشف من خلالها معنى "الأخوة" في نظرهم، وكيف يكون الصفاء: واعلم، يا أخي، أن حقيقة هذا الاسم هي الخاصة الموجودة في المستحقِّين له بالحقيقة، لا على طريق المجاز. واعلم، يا أخي – أيَّدك الله تعالى – أنه لا سبيل إلى صفاء النفس إلا بعد بلوغها إلى حدِّ الطمأنينة في الدين والدنيا جميعًا. واعلم، يا أخي، أن حقيقة الصفاء أيضًا هي أن لا يغيب عن النفس الصافية الزكية شيءٌ من الأشياء التي بها الحاجة إليها. إن الصفاء إنما يُعرَف بالكدورة، والعدل بالجور، والصحة بالسقم. وإنما صفاء إخوان الصفا لما أخلصوا الصبر على البلوى في السراء والضراء.

أما "الأخ" الحقيقي الذي ينصحون به: فينبغي لك، إذا أردت أن تتخذ صديقًا أو أخًا، أن تنتقده كما تنتقد الدراهم والدنانير والأرضين الطيبة للزرع والغرس، وكما ينتقد أبناءُ الدنيا أمر التزويج وشري الممالك والأمتعة التي يشترونها.

واعلم أن الخطب في اتخاذ الإخوان أجلُّ وأعظم خطرًا من هذه كلِّها، لأن إخوان الصدق هم الأعوان على أمور الدين والدنيا جميعًا، وهم أعز من الكبريت الأحمر. وإن وجدت منهم واحدًا فتمسَّكْ به، فإنه قرة العين، ونعيم الدنيا، وسعادة الآخرة؛ لأن إخوان الصدق نصرة على دفع الأعداء، وزين عند الأخلاء، وأركان يُعتمَد عليهم عند الشدائد والبلوى، وظهر يُستنَد إليهم عند المكاره، في السرَّاء والضرَّاء، وكنز مذخور ليوم الحاجة، وجناح خافض عند المهمَّات، وسلَّم للصعود إلى المعالي، ووسيلة إلى القلوب عند طلب الشفاعات، وحصن حصين يُلتجأ إليه يوم الرَّوْع والفزعات. فإذا غبتَ حفظوك، وإن تضعضعتَ عضدوك، وإن رأوا عدوًّا لك قمعوه. والواحد منهم كالشجرة المباركة، تدلَّتْ أغصانُها إليك بثمرها، وأظلَّتْك أوراقُها بطيب رائحتها، وسَتَرَتْك بجميل فيئها. فإن ذكرتَ أعانك، وإن نسيتَ ذكَّرك. يأمرك بالبرِّ ويسابقك إليه، ويرغِّبك بالخير ويبادرك إليه ويدلك عليه، ويبذل ماله ونفسه دونك.

فإذا أسعدك الله، يا أخي، بِمَنْ هذه صفتُه، فابذلْ له نفسك ومالك، وقِ عرضَه بعرضك، وافرشْ له جناحك، وأودعْه سرَّك، وشاوِرْه في أمرك، وداوِ برؤيته عينَك، واجعلْ أُنسَك – إذا غاب عنك – ذكرُه والفكرُ في أمره. وإن هفا هفوة فاغفرْ له، وإن زلَّ زلَّة فصغِّرْها عنده؛ ولا توحشْه فيخاف من حقدك؛ واذكرْ من سالف إحسانه عند إساءته ليأنس بك، ويأمن غائلتك – فإن ذلك أسْلَم لودِّه وأدْوَم لإخائه.

مراتب إخوان الصفاء

قسَّم الإخوان تنظيمهم إلى المراتب التالية :
1. مرتبة "ذوي الصنائع" من الشبان، الذين أتموا الخامسة عشرة؛ ويُدْعَوْن "الأبرار الرحماء".
2. مرتبة "الرؤساء ذوي السياسات"؛ وعُرِفوا بالحكمة والعقل، الذين أتموا الثلاثين؛ ويُدعون "الأخيار الفضلاء".
3. مرتبة "الملوك ذوي السلطان"؛ وعُرِفوا بالقيام بحفظ الناموس الإلهي؛ ويُدعون "الفضلاء الكرام"؛ وهم ممَّن أتموا الأربعين.
4. المرتبة العليا ممَّن أتموا الخمسين، وتشبَّهوا بالملائكة، بقبول التأييد ومشاهدة الحقِّ عيانًا.

استند الإخوان في تقسيمهم السابق على دعائم إسلامية:
1. فهم يرون أن المرحلة الأولى تبدأ بـ"ورود القوة العاقلة المميِّزة لمعاني المحسوسات على القوة الناطقة"؛ وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحِلْم."
2. والمرحلة الثانية تبدأ بـ"ورود القوة الحكمية على القوة العاقلة"؛ وإليه أشارت الآية الكريمة: "ولما بلغ أشُدَّه آتيناه حكمًا وعلمًا."
3. المرحلة الثالثة تبدأ بـ"ورود القوة الناموسية على النفس"؛ وإلى ذلك أشار القرآن: "حتى إذا بلغ أشُدَّه وبلغ أربعين سنة قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه."
4. والمرحلة الرابعة تبدأ بـ"ورود القوة الملكية"؛ وإلى ذلك أشار تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربِّك راضية مَرضيَّة فادخلي في عبادي وادخلي جنتي."


المبادئ الأولية أو ما ندعوه اليوم "النظام الداخلي لجماعة الإخوان"

أ. اعتُمِدَت التقيَّة كمبدأ أساسي في تنظيم إخوان الصفا، لضمان انتشار فكرهم وتفويت الفرصة على العدوِّ المتربِّص بهم – حتى وإن اضطرتْهم إلى التفرُّق في البلاد ومفارقة الأحباب الأصحاب – لأنهم فهموا عصرهم فهمًا دقيقًا، وأدركوا سلطان الدولة العباسية وخطر أية مواجهة للسلطة، وأن أيَّ إعلان منهم يعني نهايتهم. وكانت التقيَّة تنطبق على كوادر التنظيم كلِّها، من أدناها لأعلاها.

وهكذا ساعدت التقيَّة على رواج رسائلهم واستمرار فكرهم لقرون عديدة، وبقائه كمنهل ثرٍّ لكلِّ الفلاسفة الذين أتوا بعدهم، كابن سينا، والفارابي، والسجستاني، والكرماني ، وناصر خسرو، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم.

ب. وقد حدَّدوا سنَّ القبول بسنِّ الخامسة عشر، أي سنِّ الشباب الذي عليه الاعتماد، باعتباره قوة خلاقة فاعلة متقبِّلة لجديد الحياة. فهم يؤمنون أن الله ما بعث نبيًّا إلا وهو شاب، ولا أُعطِيَتْ حكمةٌ إلا لشاب، وأن المشايخ أول مَن كذَّب الرسل والأنبياء :

ينبغي لك ألا تُشغَل بإصلاح المشايخ الهرمة، الذين اعتقدوا منذ الصبا آراء فاسدة، وعادات رديئة، وأخلاقًا وحشة؛ ولكن عليك بالشباب السَّالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدئين بالنظر في العلوم، المريدين طريق الحقِّ والدار الآخرة، والمؤمنين بيوم الحساب، المستعملين شرائع الأنبياء – عليهم السلام –، الباحثين عن أسرار كتبهم، التاركين الهوى والجدل ، غير متعصِّبين على المذاهب.

جـ. ولكنهم، في الوقت نفسه، لم يقبلوا عضوية أيِّ متقدم إليهم مباشرة؛ بل كانوا ينتقدونه كما تُنتقَد المعادنُ والدراهم، ليتَّفق معدنُه وجوهر دعوتهم الإلهية. وحدَّدوا صفة أساسية للعضو المرشَّح، ألا وهي الصدق، بكلِّ ما تعنيه الكلمة: من صِدْق ولائه، وصِدْق عقيدته، وصِدْق طاعته لحدِّه الأعلى، وصِدْق تعاونه وتجاوُبه مع إخوانه.

د. واعتمدوا مبدأ الشك، لاستجلاء كافة جوانب شخصية المرشَّح، وعدم الاطمئنان إليه إلا بعد اختبار أخلاقه وآرائه وتربيته، حتى لا يقعوا في شرك الاندساس، فيمرُّ بمراحل عديدة قبل أدائه القسم وأخذ العهد عليه.

هـ. أما اجتماعاتهم فكانت تتم في صورة دورية، كلَّ اثني عشر يومًا، لا يتخلَّف عنها المريد إلا لعذر قاهر، بحيث يأتيها نظيفًا متطهرًا، ليستمع من المرشد إلى تلاوة للرسائل، رسالة رسالة. ويتم الحضُّ خلال الاجتماع على تعاون الإخوان وتواصُلهم ومحبتهم بعضهم لبعض، وفق منهاج وشرائط تربوية تحكم علاقتهم الداخلية: الخارج عنها خارج على أحكام العقل، وبالتالي الإمام والشريعة برمَّتها، وعقوبته الطرد بالتي هي أحسن:

نخرج من صداقته، ونتبرَّأ من ولايته، ولا نستعين به في أمورنا، ولا نعاشره في معاملتنا، ولا نكلِّمه في علومنا، ونطوي دونه أسرارنا، ونوصي بمجانبته إخوانَنا، اقتداءً بسنَّة الشريعة، كما ندبنا إليه ربنا – جلَّ وعزَّ – فقال: "لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا براءٌ منكم وممَّا تعبدون من دون الله."

و كما استطاعت حركة الإخوان أن تجد لها ركائز وخلايا في طبقات المجتمع كافة ، بدءًا من المُعدَمين وانتهاءً بهرم السلطة العلوي، فاكتسبت جماهيرية واسعة. وقد اختاروا من كلِّ فئة مسؤولاً عنهم من نفس الفئة، لأنهم وعوا تفاوُت مستويات الناس وطباعهم وسجاياهم؛ لذلك اختاروا داعيًا من وسط هذه الفئات، عارفًا بخفاياها. فنجدهم يقولون :

وقد ندبنا لكلِّ طائفة منهم أخًا من إخواننا ممَّن ارتضينا من بصيرته ومعارفه، لينوب عنَّا في خدمتهم، بإلقاء النصيحة إليهم بالرفق والرحمة والشفقة عليهم، وليكون عونًا لإخوانه بالدعاء لهم إلى الله وإلى ما جاءت به أنبياؤه – عليهم السلام – وإلى ما أشار إليه أولياؤه من التنزيل والتأويل لإصلاح أمر الدين والدنيا أجمعين.

ز. وللمرشد أو الداعي أيضًا يتوجَّهون بمجموعة من التوصيات والتعاليم، ويحضون على تحلِّيه بمجموعة من الصفات: أن يكون أبًا شفيقًا، وطبيبًا رفيقًا، لا نزقًا ولا خرقًا ولا منحرفًا ولا متجبرًا ولا متكبرًا ولا متغيرًا، ولا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، ولا يكلِّفه فوق وسعه، يبرز لمريديه بروز النفس الكلِّية للنفس الجزئية، في جليل هيبته وجميل هيئته، ويخرج إليهم بسكينة ووقار ليعرِّفهم أمور دينهم ودنياهم، و...... أن أصلح الأعمال وأجلَّ الأفعال تفقُّد إخوانهم وتدبير أمورهم، ومعرفة السياسات الدينية والدنيوية، وما يجب أن يعملوه ويعامِلوا به أهل الدنيا في معيشة الدنيا، وما يجب لهم وعليهم، من أداء الأمانة وترك الخيانة ومحبة بعضهم بعضًا في الله – عزَّ وجلَّ.

وهكذا، حتى يستخلص طائفةً منهم ويمتحنهم في فرقة الأولاد والنساء والأوطان ونفقة الأموال في سبيل الله؛ فإن صبروا على هذه المحن، أوْقَفَهم على الأسرار والأمثال والإشارات والعبارات، حتى إذا ما رأى انتقاشَها في نفوسهم وتصوُّرها فيها، أطلقهم كدعاة لاستجلاب إخوان آخرين بأسلوب الترغيب والإقناع.

دولة أهل الخير

والرسائل، في مجملها، تتوجَّه أساسًا إلى "الأخ البارِّ الرحيم"، باعتباره اللبنة الأولى لبناء مدينتهم الفاضلة، الذي ينبغي أن تتوفر فيه ابتداءً أربع أحوال :

- إقرار باللسان؛ - تصوُّر لهذا الأمر بضروب الأمثال للوضوح والبيان؛ - تصديق بالضمير والاعتقاد؛ و - تحقيق له بالاجتهاد في الأعمال المشاكِلة لهذا الأمر. وهذه المدينة يدعونها "مدينة أهل الخير"، محدِّدين بعض ملامحها، قائلين :

لا ينبغي أن يكون بناءُ هذه المدينة في الأرض، حيث تكون أخلاقُ سائر المدن الجائرة؛ ولا ينبغي أن يكون بناؤها على وجه الماء، لأنه يصيبها الأمواج والاضطراب ما يصيب أهل المدن التي على السواحل من البحار؛ ولا ينبغي أن يكون بناءُ هذه المدينة في الهواء مرتفعًا، لكيلا يصعد إليها دخانُ المدن الجائرة، فتكدِّر أهويتها. وينبغي أن تكون مشرفة على سائر المدن، ليكون أهلُها يشاهدون حالات أهل سائر المدن في دائم الأوقات؛ وينبغي أن يكون أساس هذه المدينة على تقوى الله، كيلا ينهار بناؤها، وأن يشيَّد بناؤها على الصدق في الأقاويل، والتصديق في الضمائر، وتتمَّ أركانها على الوفاء والأمانة، كيما تدوم، ويكون كمالُها على الغرض في الغاية القصوى التي هي الخلود في النعيم. وكأني بهذه المدينة مدينة روحية، تخلَّص أبناؤها من أسْرِ عناصر الدنيا الأربعة – الماء والتراب والنار والهواء – بصفاء النفس واستقامة الطريقة، صعودًا في المقامات. أهلُها، كما يرون، قوم أخيار حكماء فضلاء، مستبصرون بأمور النفس وحالاتها، وما يتبع ذلك من أمور الأجساد وحالاتها. لهم سيرة جميلة كريمة حسنة، يتعاملون بها فيما بينهم؛ ولهم سيرة أخرى يعاملون بها أهل المدن الجائرة. وهي مسوَّرة، لا يدخلها إلا من عَرَفَ نفسَه وجوهرها ومبدأها ومعادها. تُنصَب دعائمُها على أربع قواعد، أسُّها: معرفة العقل وما يحيط به، والنفس وما تضمَّنتْه، والطبيعة وما أيَّدها، والهيولى وما تصوَّر فيها، ليصل الفرد في آخر المطاف أن يصير عقلُه كعقلها المدبِّر، صاحب الناموس الأكبر – الإمام – وهو تمام الغاية والمرام.


كلمة أخيرة

تمام – أو لنقل هكذا يبدو لي الأمر – وأنا في بداية الألفية الثالثة، حين آخذ هذه الرسائل، في عمقها الفلسفي والروحي وفي بُعدها الرمزي، فأحاول استنباط الحكمة منها، للجمع بين البشر. فهي، دونما ريب، مازالت من هذه الناحية تحتفظ إلى اليوم بمصداقيتها كاملة. وهذا ما ارتأينا إبرازه من خلال مقدمتنا هذه.

قصة نبي الله يونس






جاءت قصة نبي الله يونس عليه السلام أربع مرات في القرآن الكريم ، و قد أرسل الله تعالى يونس عليه السلام نبياً إلى قومه في مدينة نينوى في العراق ، داعياً إياهم أن يتركوا عبادة الأصنام و يتوجهوا لعبادة الله تعالى دون أن يشركوا به احدا ، مبيناً لهم انها لن تدفع عنهم ضراً أو تجلب لهم نفعاً ، و قد أمر يونس قومه بالمعروف و نهاهم عن المنكر و حبب إليهم العدل و الإسلام و بغضهم الظلم و حثهم على فك العاني و الأسير و و إطعام الفقير و الجائع دعا يونس قومه إلا انهم لم يجيبوا دعوته ، و قالوا له : ما انت إلا بشر مثلنا ، فأنذره بعد ذلك بعذاب سيحل بهم ، إلا انهم لم يأبهوا بذلك و لم يخافوا من وعيده قائلين : ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين بعد ان يأس يونس من إجابة دعوته و ضاق بهم ذرعاً رحل عنهم مغاضباً لهم يائساً من إيمانهم و رحل عن نينوى ، بدأت علامات العذاب و اماراته تطلع على قومه ، فتغيرت الألوان و أظلمت السماء ، فساور قومه القق ة الخوف و علموا أن العذاب قد وقع بهم كما وقع بالأمم التي سبقتهم من ثمود و عاد ، فلجؤوا حينها إلى يونس باكين خاشعين متوسلين و متضرعين ، فتقبل الله منهم توبتهم نظراً لإخلاصهم و صدق إيمانهم ، و رفع تعالى عنهم العذاب و عادوا إلى مساكنهم من الجبال و الصحارى التي استغاثوا فيها أما يونس عليه السلام فقد ركب في سفينة ، و ما إن ابتعد عن الشاطئ هاجت الامواج و عصفت بها الأعاصير ، فأدرك الركاب أن سوء هذا المصير سببه عصيان أحدهم ، فاقترعوا على إلقاء العاصي في البحر و كرروا القرعة ثلاث مرات إلى ان أصابت يونس فألقوه في البحر و إلتقته الحوت و التقمه علم يونس أنه أخطأ إذ ترك قومه قبل أن يستخير ربه في الخروج و يأذن له في الهجرة ، فنادى ربه في أعماق ظلمات البحر و الليل و بطن الحوت، و قد قال تعالى في كتابه العزيز واصفاً ذلك ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )فاستجاب الله له دعاءه و حفظه في بطن الحوت من الهشم او الهضم ، و اوحى إلى الحوت في الماء إلقاءه في العراء ، فألقاه الحوت على الشاطئ هزيلاً سقيماً ، فكان من رحمة ربه به أن أنبت عليه شجرة من يقطين يستظل بورقها و يطعم من شجرها إلى أن عوفي و قوي أمره الله بعد ذلك أن يعود إلى بلده و موطن عشيرته نظراً لكونهم قد آمنوا بالله و نبذوا الوثان و الأصنام و ترقبوا مجيئه إليهم و قد وصف الله ذلك في الآيات الكريمة التالية من سورة الأنبياء قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) المراجع الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي , 1992 , القصة القرآنية هداية وبيان ,دار الخير للطباعة والنشر

تعديل