قلعة رعوم

تم بناؤها من قبل الجيش اليمني عندما غزا منطقة نجران عام 1348 هـ ، لاستخدامها كنقطة مراقبة واستكشاف، وتم اختيار جبل رعوم نظرًا لوضعه الاستراتيجي وصعوبة الوصول إليه، حيث يبلغ ارتفاعه 450 مترا..

هذه المدونة قيد الانشاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

هذه المدونة قيد الانشاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

قلعة رعوم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة، هذه المدونة قيد الانشاء، وهي مدونة تختص بمنطقة نجران وأهلها ومجتمعها، نأمل أن نقدم كل ماهو شيق ومفيد.

وصية القديس حارث بن كعب النجراني



وصية القديس حارث بن كعب النجراني لعشيرتة، فيها يحثهم ويلزمهم بالايمان ونبل الاخلاق والرشد.

بني اهتدوا في ما اهتديت سبيله
فأكرم هذا الناس من كان هاديا
عنيت زمانا لست أعرف ما الهدى
وقد كان ذاكم ضلة من ضلاليا
فلما أراد الله رشدي وزلفتي
أضاء سبيل الحق لي وهدانيا
فألقيت عني الغي للرشد والهدى
ويممت نورا للحنيفة باديا
وصرت إلى عيسى بن مريم هاديا
رشيدا فسماني المسيح حواريا
بني اتقوا الله الذي هو ربكم
براكم له فيما برا وبرانيا
لنعبده سبحانه دون غيره
لنستدفع البلوى به والدواهيا
ونؤمن بالإنجيل والصحف التي
بها يهتدي من كان للوحي تاليا
بني صحبت الناس ثم خبرتهم
فأفضلهم ألفيت من كان واعيا
وألفيت أسناهم محلا ومنصبا
رشيدا عن الفحشاء والإفك ناهيا
وألفيت أوهاهم لدى كل أمرة
مضلا لتضلال العشيرة غاويا
بني احفظوا للجار واجب حقه
ولا تسلموا في النائبات المواليا
وشبوا على فرع اليفاعة ناركم
ليأتيها الضيف الذي بات ساريا
ولا تبدأوا بالحرب من لم يكن لكم
من الناس للعدوان والظلم باديا
ومهما ازدرعتم يابني فإنه
سيحصد يوما بذر ما كان زاكيا

قبيلة حارث بن كعب. نسبهم، مواطنهم، أعلامهم ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي رفع بقدرته سماء وسطح بصنعته أرضا، وأجرى القدر بمشيئته فاسخط وأرضى، ودبر الأمور بإرادته إبراماً ونقضا، وتصرف في الأكوان بحكمته طولاً وعرضا، ونهى المسلم أن يستلب من إخوانه مالاً أو عرضا، فإذا رأيتم من زل بهفوة فليرحم المعافى المرضى، (اِجتَنِبوا كَثِيراً مِن الظَنِّ إنَّ بَعضَ الظَنِّ إثمُ ولا تَجَسَّسوا ولا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً). وقد قال سبحانه وتعالى: { يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } الحجرات 133



اما بعد ...
فيطيب لنا ان نذكر ما نستطيع ذكره ويتعلق بقبيلة بالحارث بن كعب المذحجية (جمرة العرب)
نسبهم، مواطنهم، العلاقات والنزعات القبلية ، ديانتهم قبل الاسلام وبعده، زعمائهم وأعلامهم، كعبة نجران


نسبهم:

هو الحارث بن كعب بن عمرو بن عُلَة بن جلد بن مالك (مذحج) بن أُدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب، وهم أحد قبائل العرب اليمنية الأصل تفرعت عن مذحج، ومن بطون بالحارث بن كعب في التاريخ القديم :

1- بنو المحجل:
واسمة معاوية بن حزن بن موألة بن الحارث بن ما لك بن كعب بن الحارث بن كعب ويسمى المحجل لبياض كان فيه.

2- بنو الحماس:
واسمه عامر بن ربيعة بن كعب وسمي الحماس لشدتة، ومنهم النجاشي الشاعر، واسمه قيس بن عمرو بن معاوية بن خديج بن الحماس. وسمي بذلك لأن لونه كان يشبه لون الحبش. وأخوه خديج بن عمرو، اشتهر قبيل الإسلام وبعدة، ورحل إلى الحجاز واستقر في الكوفة. ونسب إلى امة الحبشية و داعر بن الحماس الذي تنسب إليه الإبل الداعرية، التي ذكرت في النقوش العربية الجنوبية.

3- بنو خيثمة:
وينتسبون إلى الحارث بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب ويسمى الارث، وذلك لحبسة في لسانة.

4- بنو زياد:
وهو زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. ومن هذا البطن بيت (عبد المدان) احد بيوتات العرب الثلاثة: وهم بيت زرارة بن عدس في بني تميم، وبيت (حذيفة بن بدر في بن ي فزارة) وبيت (عبد المدان بن حارث بن كعب) واسمه (يزيد بن قطن بن زياد ) ويرى (ابن الكلبي ) أن تسمية (عبد المدان) جاءت من البيت في حين يرى (ابن دريد ) أن المدان اسم صنم واشتقاقه من الدين (أي الجزاء) وبيت عبدالمدان أخوال أبي العباس السفاح.

ومن ألمع رجالهم يزيد بن عبد المدان كان شريفا شاعرا، وعبد المحجر. الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله ومنهم الربيع بن زياد الحارثي، الذي لتواضعه وصفه الخليفة عمر بن الخطاب بقوله "دلوني على رجل كان في القوم أميرا، وكأنه ليس بأمير ، وإذا كان في القوم ليس بأمير فكأنه أمير بعينة" .قتله بسر بن أبي أرطاة حين توجه إلى اليمن، فبمن كان في طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام. وقتل ابنه مالكا، ويزيد بن عبد المدان، كان شريفا شاعرا، وفد ايضا و الحارث بن عبد المدان، قتله وعلة بن الحارث الجرمي، وكانت جرم حلفا لبني الحارث بن كعب؛ فوقع بينهم شر ففارقهم جرم في الجاهلية؛ ودعوتهم معهم للحلف الأول في الإسلام. تولى الربيع بن زياد "سجستان" سنة 46 هـ - 670 م. وتولى ابنه عبد الله بن ربيع خراسان بعد موت أبيه سنة 52 هـ 672 م وأخوه المهاجر بن زياد الذي كان احد القادة في جيش أبي موسى الأشعري - لفتح إقليم الأهواز واشتهر منهم الحارث بن زياد بن الربيع بن زياد في "الفلك" وقد وصفه (ابن الكلبي) أنه لم يكن على الأرض عربي أبصر منهم بنجم. ومخرم بن حزن بن زياد وكان شريفا وشاعرا واليه ينسب "مخرم بغداد" نزلها بعد فتح المدائن. ومنهم يزيد بن أبان الشاعر وصِف بانَّه نابغةُ بني الحارث بن كعب

5- بنو النار:
وينتسبون إلى يزيد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب وسمي النار لصرامته إذ قيل فيه..
ما سمي النار الا من صرامته
وضربه الهام بالمصقولة الشطب
ومن بني النار مرسوع بن الحارث بن النار قتله بنو أسد بن خزيمة قبيل الإسلام.

6- بنو المعقل:
وينتسبون إلى ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب.
ومن رجالهم المأمور وهو الحارث بن معاوية بن قيس بن كعب بن المعقل الكاهن، ولم يكن في العرب أكهن منه.
ومنهم سلمة بن صلاءة بن كعب الذي يلقب "ذي المروة" وذلك لأنه رمى رجلاً بمروة وقتله.
ومن فرسانهم مزاحم بن كعب بن حزن و مسهر بن اللجلاج، وكانوا من فرسان يوم فيف الريح
و جعفر بن عبد يغوث كان فارسا وشاعرا أغار على بني عقيل بن كعب – من عامر بن صعصعة -
وعبد يغوث أبو جعفر الذي قتل يوم الكلاب الثاني، ومنهم اصغر بن قيس بن الحارث بن وقاص الذي كان على راية بني الحارث بن كعب في القادسية. ومزاحم بن كعب بن حزن بن معاوية بن صلاءة، كان فارسا، وله يقول عامر بن الطفيل:
ولقـد رأيــت مزاحـا فكرهتـه
ولقد حفظــت وصايا أم الأســـود
وطفيل اللجلاج بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة بن المعقل، كان فارسا شريفا، وقد رأس، وهو المثمل وما يدري، وقد تولع هرما.
وأخوه مسهر بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة بن المعقل، واسمه ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث، الذي فقأ عين عامر بن الطفيل يوم فيف الريح، وله يقول عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى ان كنت أعور عاقر
اجبانا، فما أغنى لدى كل محضر
لعمــري، وما عمري علي بهيـن
لقد شأن حر الوجه طعنة مسهر
ومنهم الفارس عبد يغوث بن الحارث بن الحارث بن وقاص بن صلاءة، قتيل التميم، وكان على مذحج يوم الكلاب وهو الذي يقول:
فيا راكبا إمـا عرضـت فبلغــا
نداماي من نجــران ألا تــلاقيــا
أبا كـرب والأيهميـن كلاهمــا
وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا

7- بنو دهني:
وهو دهني بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب، من رجالهم "شريك الاعور" احد قادة الامام علي عليه السلام شهد معه الجمل وصفين. وكان ذا بأس ومؤثرأ في قومه، يتضح ذلك في دخوله على معاوية بن أبي سفيان ذات يوم، وأراد معاوية أن يضع من قدره فأجابة شريك بالمثل، وقد اشتاط غضبا وانشد قائلا:
أيشتُمـني مُعـاوية بن حـربٍ
وسـيفي صـارِم ومعي لِسـاني
وحولي مِن ذَوي يمنٍ رِجالُ
غَطَـارِفةّ نَهِـشُ إلـى الطّعــانِ
فإن يكن مِن أُمَيةَ في ذُراهـا
فإنــي فـي ذُرى عبدِ المـــدان
وإن يكُن الخَلِيفَة مِن قُريشٍ
فـأّنــا لا نقــر علــى الَهــوانِ
ثم خرج مغضبا ، فخرج وراءه خلق كثير من اليمانية كانوا قد حضروا ،فغضبوا لغضبه، فعند ذلك قام معاوية ماشيا خلفه، خوفا من الفتنه، فترضاه واعتذر إليه وولاه على قومه. وان صحت هذه الرواية فإنها توضح في جانب منها المكانة التي كانت عليها الحارث بن كعب وتحالفاتها في عهد معاوية بن أبي سفيان.

8- بنو قنان:
والقنان من قولهم قن في الجبل ، إذ صار في قمته ،أي أعلاه ، ومن أشهر رجالهم الحصين ذو الغصة بن يزيد بن شداد الذي ترأس بني الحارث مائه سنة ، ومن بنيه عبد الله الشاعر الذي ترأس هو الأخر بنو الحارث، و قيس بن الحصين الذي وفد على النبي صلى الله علية وسلم عمرو، وزياد، ومالك، ويقال عن هؤلاء الأربعة "فوارس الأرباع" لأنهم في الحروب يتولى كل واحد منهم ربعا، ومنهم كثير بن شهاب بن الحصين وكان سيداً في الكوفة، ولاه معاوية بن أبي سفيان (الري ودستبي )

9- بنو الضباب:
وينتسبون إلى سلمة بن الحارث بن ربيعة بن كعب، ومن ألمع رجالهم هانئ بن يزيد، الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد بني الحارث، وكان يكنى "أبا الحكم" لأنه كا ن يحكم في الخصومة التي بينهم، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم أبو شريح بولده الأكبر. وابنة شريح بن هانئ الذي اشترك في القادسية ونهاوند وفتح إقليم الاهواز وكان من قادة الامام علي في الجمل وصفين والنهروان ويوم تستر وشهد التحكيم، وكانت له وجاهه إذ وفد على معاوية بن أبي سفيان يشفع في كثير بن شهاب الحارثي فأطلق سراحه، وقتل في فتح سجستان في الجيش الذي بعثه الوالي الحجاج بن يوسف الثقفي.وكان له من العمر 120 سنة . وهو القائل:

أصبحت ذابتـا أقاســـي الكــبـر
اقد عشث بين المشـركين أعصـرا
ثـم أدركــت النبـــي المنـــــــذر
او بعـــــــده صديـقـــه وعـمــــــــرا
ويوم مــهـران ويــوم تستــــرا
والجـمع فـي صـيفينهم والنـــهـرا
وبـــا جمــيـروات والمـشـــــقـرا
هيهات ما لطــــول هــــذا عمــــرا

10- بنو مسيله:
ابن عامر بن عمرو بن علة بن جلد الذي ذكرهم (ابن الكلبي) إبانهم من بنو بن كعب. ولد عامر بن عمرو بن علة بن جلد : مسلية، بطن مع بني الحارث وكعبا، لهم مسجد، بالكوفة، مسجد قي خطتهم. فولد مسلية بن عامر بن عمرو: كنانة وأسدا ؛ أمهم: كبشة بنت عوف بن النخع. فولد كنانة بن مسلية : الأبيض وارضا بطن، ومنبها بطن وعبدا وحلية بطن. فولد الأبيض بن كنانة: ناشرة ؛ وأمه :هند بنت أسد بن مسلية. فولد ناشرة بن الأبيض : صبحا، بطن،اليه العدد والبيت. وثعلبه، أمهما : كنانة بنت الأعمى بن منبه بن كنانة، بها يعرفون.
وبنو كنــانة ضــاربون فبابهم
للضــرب يعــرف حولهم أنعـام
منهم :ابي بن ربيعة بن صبح، الذي يقول له عمرو بن معدي كرب :
تمــناني لتقلنـــــي أبــــي
نعـــامة قفــــرة بغـــت المبـــيضا
وابن صبح سادرا يوعدني
ما له ما عشت في الناس مجيرا
وكان فارسا. وأخوه طرفة بن ربيعة، كان شاعرا. وعبد ود بن جابر بن صبح، الذي يقال له فارس الأغراض. وعامر بن إسماعيل بن عامر بن نافع بن محمية بن حذيفة بن عوف بن صبح، القائد مع ابي جعفر، وهو الذي قتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم. الحارث بن ثعلبة بن ناشرة بن الأبيض، الشاعرالجأهلي الذي يقال له :ابن جناية. وولد ارض بن كنانة: عبدالله وعويجا وحبيبا، ورزاحا، وعبيدا. وولد حلية بن كنانة: الأبيض وعبيدا وسلمة وعويجا وفوقا وطريفا والحارث وولد منبه بن كنانة

أما في وقتنا الحاضر فبنو الحارث بن كعب في نجران، وهو موطنهم الأصلي ينقسمون الى ثلاثة أقسام،
وهم آل شافعي و آلبطون و آل ثروان .

- آل الشافعي وهم بطنان:
أ- آل جابر
ب- آل فهيدان

- البطون وهم بطنان:
أ- القطعان
ب- آل عنثري

- آل ثروان وهم:
أ- آل دغفان
ب- آل حزية
ج- آل عكان
شجرة قبائل بنو الحارث بن كعب
[لتكبير الصورة]



مواطنهم:
سكنوا في الأودية الممتدة بعد مأرب إلى الجوف المحاذية لمخلاف خولان. كما كانت براقش من مواطنهم إذ سكنها الأوبر أحد بطون الحارث بن كعب ، وشاركتهم قبيلة مراد في موطنهم هذا، وبراقش سميت باسم كلبة جاء ذكرها في المثل العربي القائل: "على أهلها جنت براقش" ويصف (البكري) براقش وبها واد شجير وهي في الأصل المدينة المعينية "ثيل" التي عرفت فيما بعد ببراقش، وكانت من أبنية التبابعة القديمة، كما وسكن بنو الحارث مخلاف نجران الذي يجمع كثيرًا من القرى ويتصل فيه المدينة والوادي، وأستقروا في هذا المخلاف إلى جوار قبيلة همدان. واستمر سكن بني الحارث في نجران إذ كان ملك نجران في بني زياد من بيت عبد المدان من بني الحارث. وهناك مناطق سكنها بنو الحارث أشار إليها (البكري) هي: الصعيب، وقرى، وجبل كوكب، ويضيف إليها (ياقوت الحموي) خدوراء، وأصغر، وعاد، والمدلاء وهي رملة قرب نجران الجزء الشرقي منها لبني الحارث، والنضارات وهي أودية .قال الهمداني في الصفة: ، وأول الأودية بين نجران والجوف وادي قضيب فيه من مياه بلحارث بن كعب: الأغبر والجموم وماوّة وخليقا بأسفله و مذرك... ثم الخل بین قضیب والیتمة.. ویسمی ما بین الجوف ونجران الأفراط واحدها فرط، وأكثر من يكون بالأفراط من بلحارث بنو معاوية منهم .. ومن مياه بلحارث: البراق ماء بأعلى وادي ثار.. والحصينية على شط الوادي دون النهية نهية حبونن، والربيعية بأسفل نجران ومذود والهرار والبتراءة .وكانت تلك الوديان والمناطق في نجران لبني الحارث بن کعب منذ عصور معین .
- ومن الغارات التي كان يشنها بنو بن صعصعة يرأسهم عامر بن الطفيل على بني الحارث بن كعب في منطقة الذهاب يظهر ما يشير إلى أنها من مواطنهم. ويمكن تحديد مواطنهم على وجه الدقة كانت إلى الشرق الشمالي من مشارف مدينة ذمار ومشارف جنوب صنعاء. وقد جاء ذکر "الحارث بن کعب" فِي النقش السبئي (رقم 660 جام) حیث ذکر النقش : الحارث بن کعب و سود بن عمر وأتباعهم من نخع وجرم" وقد ذكر الهمداني في الإكليل إنه كان یسکن براقش بنو الاوبر من بني الحارث بن کعب، ومراده. وبنو الحارث بن كعب بطن من بني غلة بن جلد بن مذحج وكذلك (نخع). وكانت مناطق قبيلة غلة بن جلد بن مذحج تمتد من براقش الجوف إلى نجران و وادي نجران. وكانت نجران قبلهم لجرهم ومنهم كان الأفعى [أفعى نجران] الكاهن واسمه القلمس.. وكان القلمس والياً لبلقیس علی نجران و بعثته الی سلیمان فصدق و آمن و اقام علی دینه بعد موته، وكان ولاة نجران من بني القلمس الأفعى، ثم نزل نجران بنو الحارث بن كعب بن علة بن جلد بن مذحج فغلبوا عليها بني الأفعى، " وقال ابن خلدون أيضاً: نجران مسافتها عشرون مرحلة. . . وفيها مدينتان : نجران وجُرّش متقاربتان في القدر.. ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم.. وصاروا ولاة للتبابعة.. وكان منهم أفعى نجران واسمه القلمُس وكان والياً على نجران لبلقيس . .  ثم نزل نجران بنو مذحج وتولوا عليها ومنهم بنو الحارث بن کعب.
ويبدو أن القبيلة الجرهمية الذين كانوا يسكنون نجران في عصور ملوك سبأ التبابعة هم المذكورون في نقش (كرب إل وتار ملك سبأ) باسم ( مهامرم = مهأمر ) وان (کرب إل وتار) هاجم کل قبائل مهأمر وعوهیم وکان قتلاهم خمسة آلاف والاسری (۱۲۰۰) واستولی علی مواشیهم من ابل و بقر و حمیر و غنم علی مائتي الف.. و احرق کل مدن مهامرم.. وصادر كرب إل أراضي زراعية طهأمرم بنجران، وفرض على مهامرم جزية لألمقة وسبأ. ثم لما قامت مملكة معين بزعامة (صدق إيل) المعيني المذحجي وقع ما أشار إليه ابن خلدون بأنه نزل نجران بنو مذحج وتولوا عليها، ومنهم بنو الحارث بن كعب. وجاء في الهامش أنه كان نزول واستقرار بني الحارث بن كعب مع عدة عشائر مذحجية معينية بنواحي نجران في القرن الرابع ق.م و کانت نجران بمدلولها الواسع القدیم معینیة السكان والحكم في عصور مملكة معين إلى القرن الثالث بعد الميلاد ثم أستمرت زعامة نجران عدة قرون بعد ذلك في بني الحارث بن كعب ويقال لهم أيضاً بلحارث بن كعب. اما اليوم، لهذه القبيلة العريقة وجود في العراق بلاد الرافدين، وفي اليمن بيحان، وفي عمان والامارات وبلاد الشام.


العلاقات والنزاعات القبلية:

مع قبيلة عامر بن صعصعة : (بني هلال)
إن أشهر الوقائع التي جرت بين قبيلة الحارث بن كعب وحليفاتها من جهة، وقبيلة عامر بن صعصعة من جهة أخرى أجمعت الروايات على تسميتها بيوم فيف الريح ، وسبب تسميتها راجع إلى جبل "فيف الريح" الذي جرت عليه المعركة في منطقة الاجشر والاجاشر معروفه حتى اليوم تقع اسفل وادي خب في محافظة الجوف اليمنيه. وعلى حد قول (ابن رشيق) انها تقع باليمن، في حين انها عند (ياقوت الحموي) بأعالي نجد. أما سبب الاقتتال في هذا اليوم فيرجع إلى أن بني عامر كانوا يطلبون بني الحارث بن كعب بأوتار كثير ة – ثارات - ، وأقدم رواية لهذا اليوم مارواه (أبو عبيدة) عن تجمع قبائل بني الحارث بن كعب، ومراد، وجعفي، وزبيد) وقبيلة (خثعم) ومن بطونها التي اشتركت في هذه المعركة (شهران وناهس) وعليهم أنس بن مدرك وعلى بني الحارث (الحصين) فأغاروا على بني عامر بن صعصعة وكانوا تحت زعامة عامر بن مالك الملقب "ملاعب الأسنة" في فيف الريح.
ويضيف (أبو عبيدة) تفصيلات أكثر، إذ يتحدث عن اصطحاب مقاتلي الحارث بن كعب وحلفائها للنساء والذراري إلى ميدان المعركة، لكي يزداد ثباتهم في القتال، ولا يفروا من المعركة، فأما الظفر وأما أن يموتوا جميعاً. كما أنهم وضعوا العيون للاستطلاع حيث أخبرتهم عيونهم عن اقتراب بني عامر، وبدأت المعركة باللتحام الجيشين واقتتلا قتالا شديدا لمدة ثلاثة أيام فالتقى الصميل بن الاعور الكلابي من بني كلاب – بطن من عامر – وعمرو بن صبيح النهدي– حليف الحارث بن كعب، فطعنه وقتله، وشِهدت بنو النمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسناً وسموا ذلك اليوم "حريجة الطعان" لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة – الشجر الكثيف - وسبب اجتماعهم أن بني عامر جالوا جولة إلى موضعٍ يقال له "العرقوب" والتقت عامر بن الطفيل فسأل عن بني عامر فوجدهم قد تخلفوا في المعركة فرجع وهو يصيح: يا صباحاه ! ويا نميراه ! ولا نمير لي بعد اليو م حتّى اقتحم فرسه وسط القوم، فقويت نفوسهم، وعادت بنو عامر وقد طُعن عامر بن الطفيل في هذا اليوم مِن قبل مسهر بن زيد الحارثي. ويبدو من التفصيلات التي وردت في رواية (أبي عبيدة) لهذا اليوم أن حسم المعركة كان لصالح بني عامر ولكن من استعراض القبائل المشاركة التي تمّثل جبهة قبائل الحارث بن كعب وحلفائها الذين يشكلون الثقل العددي والقدرة القتالية إضافة الى استطلاعهم حشود بني عامرونواياهم الهجومية ضدهم، يجعل من المستبعد أن تهزم في هذا اليوم مِن قِبل قبيلة عامر بن صعصعة. ونستدل على ذلك من الشعر المتبادل بين الطرفين المتقاتلين، أو ما ذكره (ابن الأثير) لم يشغل الطرفين بغنيمة، وكذلك قول (ابن رشيق) ولم تغنم طائفة منهم طائفة. يظهر أن كفتي القتال كانت متوازنة في الأقل ولم تُحسم المعركة لصالح أي من الطرفين، يضاف إلى ذلك أن رواية (أبي عبيدة) والرواية التي أوردها (ابن الأثير) ليوم "فيف الريح" تعبران عن صورة جانب واحد، إذ سجلت الجوانب البطولية التي قامت بها قبيلة عامر بن صعصعة، في حين جاء في شعر مسهر الحارثي أنهم أخذوا امرأة عامر بن الطفيل، إلا أن (أبو عبيدة ) يشكك في أسرها، يتضح ذلك في شعر مسهر إذ يقول:
مخافة ما لاقت حليلة عامر    من الشر اذ سربالها قد تعفرا
كما يمكننا أن نستدرك بما جاء في شعر عامر بن الطفيل قائد جمع قبيلة عامر بن صعصة عن هذا اليوم، وقد صور المعركة بعد أن فقئت إحدى عينيه فيها، وأشار إلى الجمع الكبير الذي أرعبه بقوله :
لعمري وما عمري علي بهين     لقد شان حر الوجه طعنة مسهر
أعـاذل لو كــان البـداد لقـتلوا     ولـكن نـزونـا بالعـديد المـجمـهر
ولو كان جمـع مثـلنا لم يبـزنا     ولـكن اتتـنا أســرة ذات مفــخـر
أما عن زمن وقوع هذا اليوم "فَيف الريح" فكان في وقت بعثة الرسول بمكة وينقل (الأصفهاني) رواية لأبن الكلبي عن يوم من أيام القتال بين بني الحارث بن كعب وبني عامر، يطلق عليه "يوم السلف" ، و فيه ذا اليوم أغار عبد المدان بطن من قبيلة الحارث على بني عامر، فلما التقى الجمعان حمل عبد المدان على وبر بن معاوية النميري فصرعه، واشتد القتل في بني عامر، مما أدى إلى انكسارهم في هذا اليوم، و من ثم انهزامهم، مما دفع فرسان بني الحارث إلى اللحاق بهم، وبذلك سجل بنو الحارث انتصارا في هذا اليوم. وأشار (أبو عبيدة) إلى غارة قام بها عامر بن الطفيل من بني ربيعة بن عامر بن صعصعة على بني الحارث بن كعب وأحلافهم من أهل اليمن، في موقع لبني الحارث يقال له الذهاب ولا نعرف تفصيلات أخرى عن نتائج هذه الغارة، وجاءت هذه الإ شارة في ما أورده أبو عبيدة من شعر للبيد بن ربيعة أنشد فيه:
منها حوي والذهاب وقبله    يوم ببرقة رحرحان كريم

مع تميم:
كانت العلاقة بين تميم والحارث بن كعب غير ودية، وصلت إلى الاقتتال، فقد سجلت لنا الروايات التاريخية اقتتالهم في يومي "الكلاب الثاني" و"المأمور"

- يوم الكلاب الثاني
أسهبت الروايات في ذكر تفصيلات هذا اليوم، وكان من حديثه ما أجمعت عليه الروايات التي سجلها أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلا وهشام بن الكلبي عن أبيه والمفضل الضبي، وإسحاق بن الجصاص عن العنبري : أن يوم الكلاب الثاني أعقب "يوم الصفقة" لما انكسرت تميم بعد أن غزاها الفُرس في المشقر، و قد وصل هذا الخبر إلى الحارث بن كعب عن طريق رجل من بني قيس بن ثعلبة في قدومه إلى نجران وهم أخواله، وحدثهم بما أصاب بني تميم، فطمعت بنو الحارث في تميم مستغلة ظروفها القاسية بعد انكسارها "يوم الصفقة" فحشدت معها أحلافها من قضاعة، وقبائل اليمن (مذِحج، وهمدان، وكِندة ) وبلغت حشود الحارث بن كعب وأحلافها أثني عشر ألف مقاتل على حد رواية (أبي عبيدة) في حين قلّ عددهم في الرواية التي أوردها (ابن الأثير) إلى ثمانية آلاف مقاتل، ومهما اختلف العدد فيبدو انه حشد كبير، لذا وصف بأنه لم يعرف في حقبة ما قبل الإسلام جيش أكثر منه. وساروا يريدون بني تميم، واستشاروا كاهن بني الحارث المأمور الحارثي فحذرهم من غزو تميم، ولكنهم لم يحتذروا، وسارت الحشود من بني الحارث وحلفائها، وكان على قبائل اليمن أربعة رؤساء يقال لهم اليزيديون: يزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المخرم، ويزيد بن هوبر، ويزيد بن الكيثم – أو الطيثم – بن المأمور وكلهم حارثيون ، ومعهم عبد يغوث الحارثي، فكان كل واحدٍ منهم على ألفين والجماعة ثمانية آلاف. وبلغ الخبر تميمًا فاجتمع ذوو الرأي ومنهم أكثم بن صيفي وهو قاضي العرب، فقالوا له: حقّق لنا هذا الأمر فانا قد رضيناك رئيساً، فقال لهم: لا حاجة لي في الرياسة ولكني أشير عليكم لتنزل حنظلة بالدهناء، ولتنزل سعد والرباب بالكلاب، فأي الطرفين اخذ القوم كفى أحدهما صاحبه، وقدم لهم وصية في إطاعة ألأمراء، والثبات، وعدم التسرع، والتعاون في الحرب وعدم خشية الموت، وأهنأ الظفر كثرة الأسرى، وخير الغنيمة المال، وأوصاهم مِن خيرِ أمرائكم النعمان بن مالك بن جساس. وتقدمت سعد والرباب من تميم، وكان رئيس الرباب النعمان بن جساس وبنو سعد بزعامة قيس بن عاصم المنقري، واقتتلوا ضد الحارث وأحلافها، وكان قتالا شديدا، حتى كان أخر النهار فقُتَل النعمان بن الجساس وظن أهل اليمن إن بني تميم سيهزمهم قتل النعمان، ولكن ذلك لم يزدهم إلا جرأة عليهم، فاقتتلوا حتى حل الظلام، فباتوا يحرس بعضهم بعضا، فلما أصبحوا واصلوا القتال، وتولى قيس بن عاصم إمرة بني تميم، وحملوا على أهل اليمن وانكسر بنو الحارث بن كعب بعد أن طرح اللواء يومئذ وعلة بن عبد الله الجرمي، وكان أول من انهزم من اليمن. وحملت عليهم بنو سعد والرباب فهزموا أفضع هزيمة، حتى إن قيس بن عاصم جعل ينادي: يا آل تميم ، لا تقتلوا إلا فارساً ،وجعل يأخذ الأسرى، وأُسر عبد يغوث بن صلاءة سيد بني الحارث ، ثم قُتل، بعد أن قالت الرباب لبني سعد قتل فارسنا النعمان بن جساس، ولم يقتل لكم فارس مذكور، فدفع إلى الرباب وتم قتله.
أما عن زمن وقوع يوم الكلاب الثاني ، فكان في بداية ظهور الدعوة الإسلامية، إذ جاء بعد يوم الصفقة مباشرة، بحسب ما ذكره (ابن الأثير) بأن زمن وقوعه وقت بعث النبي وهو في مكة لم يهاجر بعد. ومما يجدر ذكره أن في هذا اليوم انتحل الشعر، وجاء على انه قصائد يمانية تصف هزيمتهم ، بينما يرجح أنها كانت لشعراء من تميم ويؤيد ذلك ما جاء في الرواية التي سجلها (أبو عبيدة) أن رؤبة بن العجاج خاطب تميماً قائلاً: إن الكُلاب ليس كما ذكرتم فأعفونا من قصيدتي صاحبينا يعني عبد يغوث ووعلة الجرمي ، اضافة الى انتحال شعر على لسان شعراء لم يشهدوا المعركة، وهذا ما ذكر عن قصيد ة محرز بن المكبر الضبي. ويظهر أن، السبب في ذلك راجع إلى العصبية القبلية ، فيمكن أن نتبين من قصيدة وعلة الجرمي وكان حاملاً لواء قبائل اليمن في هذا اليوم، انه يمدح في قصيدته تميماً ويصفها بالبأس، وعلى الأرجح أن قائل القصيدة تميمي قد نحلها على وعلة فخرا بقبيلته.
ويتضح مما تقدم أن يوم الكلاب الثاني الذي انتصرت منه تميم على الحارث بن كعب وحلفائها، جاء برواية يبدو الانحياز واضحاً فيها إلى تميم ، ولم تصل رواية محايدة في الأقل لتصف الاقتتال الذي حدث في هذا اليوم، ولِمن كانت الغلَبة فيه. ومما يحمل على عدم الوثوق بهذه الرواية ما ذكر عن انتحال الشعر فيها ، إذ جاء غير موافق لنزعة الافتخار القبلي الذي يحرص الشاعر على ذكرها ، فكيف يرتضي لنفسه أن يصور هزيمة قبيلته وأحلافها ، كما جاء على لسان وعلة الجرمي أو عبد يغوث بالطريقة التي صورت فيها !!، يضاف الى ذلك أن قبيلة تميم خرجت من اقتتال يوم الصفقة وهي مغلوبة ، وتُعاني من وقع انكسارها في المعركة، لذلك وضعت قبائل اليمن ومنها الحارث بن كعب خططها في ضوء ذلك . فحشدت حشداً لم يسبق له مثيل آنذاك كما وصفته الروايات، فكيف تهزم بهذه الطريقة؟ ليس ذلك من باب الدفاع عن الحارث بن كعب وأحلافها، والتشكيك في الرواية يأتي تسويقاً لانكسارها في هذا اليوم، بيد أنه يأتي من النظر إلى الروايات التي ذكرت أيام العرب بنظرة ناقدة ، وليس التسليم بكل ما ذكر. وعلى الرغم من ذلك فان الروايات التي وصفت يوم الكلاب الثاني فانها جاءت موضحة للعلاقة غير الوثيقة بين الحارث بن كعب وتميم .

- يوم المأمور:
أورد (أبو عبيدة) إشارة سريعة الى ما دار في هذا اليوم من قتال، كانت أطرافه قبيلة الحارث بن كعب من جهة، وفي الجهة المقابلة بني دارم من تميم ، وكانت الغلبة فيه لبني الحارث. ولم تحدد الرواية زمان ومكان وقوعه أو تفصيلات أخرى عنه .

مع قبيلة أسد:
ينفرد (ابن الكلبي) فيما ذكره عن علاقة بني النار أحد بطون الحارث بن كعب مع قبيلة أسد بن خزيمة إذ أشار إلى أن العلاقة كانت حرباً بينهم ا في يوم صفاق الذي قُتل فيه رزاح بن معشر بن النار. فقد صور هذا اليوم في شعر مرسوع بن الحارث إذ قال:
من كان يرجو في المغيب رزاحة    فان رزاحي عند منقطع السوق
إن مقتل رزاح دفع بني الحارث للأخذ بثأره، والإ غا رة على قبيلة أسد، ومقتل مرسوع بن الحارث من بني الحارث. حدث ذلك قُبيل الإسلام ، كما وصف هذا اليوم في شعر عمرو بن شاسٍ السدي بقوله:
ويوم بني اصابت رماحنا    مقاتل مرسع ونحن به ندني
وجاء عند (البكري) ذكر يوم الأرنب على أنه وقع بين بني أسد من جهة والحارث بن كعب وحلفائهم من قبائل نهد وجرم من جهة أخرى، وفي هذا اليوم انتفجت – وثبت - لبني الحارث أرنب فتفاءلوا بها وقالوا ظفرنا بهم. وينسب إلى أحد الأسديين قول البيت الآتي في وصف هذه الواقعة :
عجبت نساء بني زبيد عجة    كعجيج نسوتنا غداة الارنب
وفي البيت الآتي الذي تأكد قائله عمرو بن معد يكرب الزبيدي ورد فيه أسم بني زياد من بني الحارث بن كعب، وليس زبيد في قوله :
عجبت نساء بني زياد عجة    كعجيج نسوتنا غداة الارنب
يتضح مما تقدم أن يوم "الأرنب" لم يكُن بين بني أسد قبيلة الحارث بن كعب، يؤكد ذلك (الطبري) فيما ذكره من رواية جاء فيها: أن وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب رهط عبد المدان .

مع قبائل همدان:
كانت العلاقة بين همدان والحارث بن كعب يشوبها النزاع، يتبين مما ذكره (الهمداني) من أن قبيلة أرحب من همدان غزت الحارث بن كعب، وتمكنت منها وحصلت على أموال وأسرى في غزوتها هذه، اضافة الى مقتل مجموعة من بني الحارث والراجح في أسباب الاقتتال راجع إلى المجاورة والمزاحمة في المكان، أو لأسباب ثأرية . ومن احداث تلك النزاعات عندما سار الامام الهادي الى نجران سنة 284هـ , الى نجران في عسكر كثيف من خولان وغيرهم فكانت مدة سيره الى نجران يومين , وعندما وصل الى اعلى نجران لقيته وادعة و شاكر و ثقيف و يام والاحلاف , فسروا بقدومه وانسوا بقربه وبايعوه ورغبوا في الحق وما بين لهم من شرائعه , واعلموه بما جرى بينهم وبين البلحارث من قتل الرجال وذهاب الاموال و انقطاع الطرق وهتك الحرم وخراب المنازل وصيروا انفسهم ودماءهم واموالهم تحت يده فشكرهم على ذلك وسار بهم وبعساكره حتى وصل بالقرب من قرية نجران فلقيته البلحارث وسلمت عليه , وانسوا اليه لما قد شملهم من البلاء والفتن , وذهاب الرجال والاموال فيما بينهم خاصة , وبينهم وبين همدان عامة . وبعد فترة قصيرة وبعد ان خالف البلحارث الامام الهادي فاخذ منهم الامام الهادي بعض الاسراء , قام البلحارث على الامام وعلى واليه انذاك احمد بن محمد العلوي وبحضور عبدالله بن الحسين ( اخو الامام الهادي , وجد اشراف نجران ) , فاراد البلحارث ان ياخذوهما بدلا من اسراهم الذين اسرهم الامام الهادي , فلما كان عام 286هـ هجم البلحارث باكملهم على احمد بن محمد وعبدالله بن الحسين الذين لم يشعروا الا وال بلحارث قد دخلوا الدار التي هم فيها والذي فتحها لهم هو ابن مصفى بن ابراهيم ابن عم علي بن الربيع المداني الحارثي فلما دخلوا الدار احس بهم ابو محمد فنادي بابي الحسين واصحابه وخدمه وكانوا بضعة عشر رجلا فتقاتلوا قتالا شديدا وكان مع ابي محمد نفر من بني عبدالمدان قاموا معه ضد البلحارث قومة رجل واحد، وعندما علم الهمدانيون اجتمعوا هم وبني ثقيف و الاحلاف وذهبوا لنصرة ابي محمد وابي الحسين وكان ذلك الوقت في الصباح وقد تفرق في ذلك الوقت البلحارث فدعت همدان ومن معها ابي محمد وابي الحسين للخروج معهم ( لانهم كانوا يسكنون عند بني عبدالمدان ) فخرجوا معهم , فلما بلغ البلحارث خروج ابي محمد وابي الحسين مع الهمدانيين ومن معهم خرجوا عليهم وطلبوا من الهمدانيين تسليمهم لهم فرفضوا ذلك فتحاربوا حربا شرسه هزم فيها البلحارث , ثم ان نفرا من بني عبدالمدان ومن بني بشر فناصروا ابي محمد فلما علم ابن بسطام ( كبير البلحارث ) بلقاء بني عبدالمدان و ابو محمد عبا البلحارث وجمعهم وحاربوا ابومحمد ومن معه فانتصر عليهم ابو محمد ومن معه .فلما علم الامام الهادي بما حصل كتب الى ابو محمد كتابا يخبره بانه قادم وقال قصيدة طويله منها :
ولكن النــزاع الـى شقــيقي     ودرعي ذي الحفايظ في العراص
فقل لابي محمد ذي الايادي    تأن فسوف يسعدك ارتباص
اتتك الخـيل معلــمة عـليها     اسود يانفون من المعاصي
وفتيان اذا سمعوا صراخي    اجابوا مغضبين من الصياصي
اولـئك حاشـد وبنو بـكـيل      اولو ضرب كاشداق القلاص
فلما وصل كتاب الامام الهادي رد عليه ابو محمد بكتاب وصارت بينهم مراسلة بالقصائد ....................
ثم صارت الكثير من الحروب بين بني الحارث و الامام الهادي ومن معه , الى ان قام بنو الحارث على والي نجران الجديد ابو جعفر محمد بن عبيدالله ,فتوجه البلحارث الى ابو جعفر فخرج اليهم بخدمه ومن معه من بني عبدالمدان , فتقاتلوا فلما اشتد القتال اتى كبير البلحارث ابن بسطام وطلب من بني عبدالمدان ان يعطوه ابو جعفر ليحميه هو في حصنه ( حصن ميناس ) فاعطوه اياه فبقي عنده يومين فاجتمعت عليه البلحارث ومن معهم في درب ميناس فخرج ابو جعفر ومن معه على باب درب ميناس الشرقي ووقف ابن بسطام وبنو ربيعه على درب ميناس الغربي , والتحم القتال على الدربين وكان عليهما قتال شديد حتى طمعت بنو الحارث في دخول ميناس , فكثرت الاصابات في الكل فارسل ابو جعفر ابنيه عليا وقاسما الى شاكر وثقيف ووادعة فقاموا معهما وعندما اصبح الصباح قابلت وادعة ابو جعفر وهي ذاهبة الى حصن ميناس وهو ات اليهم وعندما سالوه عن الخبر اخبرهم بان ابن بسطام ارسل اليه يخبره بانه لا يامن عليه في بيته ويطلب منه الذهاب الى أي قبيلة اخرى فاخترت الذهاب الى وادعة ففرحت وادعة بذلك واكرمته ايما كرم وقد ارسل الامام الهادي بقصيدة طويله،  وبعد ذلك اجمع البلحارث على محاربة وادعة حتى يخرجون ابو جعفرمن عندهم فقال في ذلك محمد بن عبدالملك بن طريف الوادعي قصيدة منها :
عجب الاقوام من حار وما   جاء منها يالقومي للعجب
مالهم عندي خلاص بعدما   نصبوا الحرب لمقدام حرب
عرضوا انفسهم يا ويلهم     لهلاك و دمار و تعب
وبنو كعب حماة لم تزل    تمنع الضيم ببيض كالشهب
وقيام مع ابناء النبي  افخر الفخر وزين العـــرب

فرد عليه علي بن ابي جعفر بقصيده طويلة منها :
انتم يا كعب* همدان لنا      ولكم دين وفضل وحسب
وتمام و وفاء ولــــكم         ذروة في آل عبدالمطلب
شركاء لهم في كل ما         كان خير وشر ونصب
لم يكونوا اهل ما اوسعهم    نزل الويل عليهم والحرب
كاد ان يهلك في اسبابهم      كل طفل وبزي وشحب
انما كعب رجال سادة       في وغاء الحرب تؤدي بالالب
اهل ايمان وارباب الحجا    وبنو الحارث للنار حطب
انتم في الحق راس شامخ    ومعادينا واياكم ذنب
*بنو كعب المقصود بهم : وادعة نجران

فسار ابو جعفر محمد بن عبيدالله بوادعه فلقي بنو شاكر ( وائلة ودهم ) وبنو ثقيف فحالف بينهم . وفيما بعد اجتمع الياميين والاحلاف على ابن بسطام الحارثي وقتلوه. فقام ابن حميد واصحابه من بني الحارث فاجتمعوا على محمد بن عبيدالله , فارسل ابو جعفر محمد الى يام ودعاه لنصرته فتعذروا بانهم يريدون ان يقومون على بني ربيعه، فارسل الى وادعة يطلب منهم النصره فلم تجبه لما صار بينهم وبين يام من فتنه , فنصرته ثقيف و شاكر ( وائله و دهم ) . فاجتمع البلحارث وقاتلوا ابو جعفر ومن معه على باب الدرب ومن ثم وبعد ان كان بنو عبدالمدان مع ابو جعفر انقلبوا عليه وناصروا البلحارث فادخلوا ال بلحارث الى القريه والى الدار فقال ابو جعفر :
غدرتم يابني عبدالمدان      وكان الغدر من شيم الجبان
حلفتم لي بايمان غلاظ        تخر لها الصخور من القنان
بأنكم على نصري حراص   غداة الروع في وهج الطعان
فلم توفوا بعهدكم و كنتم      شرارا يابني عبدالمدان
ثم التفت الى اصحابه واوصاهم بالثبات والموت بكرامه , ثم ان بني الحارث حاربوا ابو جعفر ولم يزالوا يحاربونه هو واصحابه حتى صارت المعارك على درجات الدار فلا يزال هو واصحابه يبرزون للبلحارث ويقتلون فصارت قصة تعتبر من القصص المؤلمه والحزينه . وفي نهايه المعركة قتلوا ابو جعفر محمد فقطع راسه ابو العوارم بن موسى القطني وهو يقول بيتين من الشعر نعتذر عن كتابتها. ومما قيل في هذه المناسبة قول علي بن ابو جعفر محمد منها :
منع الحزن مقلتي ان تناما       وذرا الدمع من جفوني سجاما
يوم ناديت الاحلاف للنصر      على مذحج وناديت يامــــــا
ودعونا لنصرنا الـوادعيين      فلم ينصروا الامين الهماما
لا تجيبون صارخا قام يدعوا    يالهمدان انصروا الاسـلاما
فدعونا ثقيف كي ينصرونا      فأجابوا ولم يكــونوا لئــاما

مع قبائل قُضاعة :
بدأ الخلاف بين قبيلتي نهد وجرم من قضاعة حينما تكاثرت، مما حدا بهم إلى أن يتفرقوا ويتشتتوا بعد أن حدث اقتتال بينهما ، وكان هذا النزاع في مصلحة قبيلتي زبيد والحارث بن كعب، إذ لحقت قبيلة نهد في بني الحارث بن كعب وتحالفت قبيلة جرم مع بني زبيد ولّما تحارب بنو الحارث بقيادة عبد الله بن عبد المدان و بني زبيد بقيادة عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقفت قبيلتا نهد وجرم كل واحدة إلى جانب حلي فتها في هذا النزاع الدائر، حتى انه في تعبئة القتال كانت جرم تقاتل ضد نهد ، وأسفرت نتيجة القتال عن هزيمة قبيلة زبيد وحليفتها جرم، ويبد وأن السبب كان في قلة اندفاع جرم عن نُصرة حليفتها زبيد. وبعد هذه الهزيمة التي منيت بها زبيد، وفِرار جرم عن نصرتها ، لحقت جرم ونهد وتحالفوا مع بني الحارث بن كعب، واخذوا يقاتلون إلى جانبهم في معاركهم ويرى (البغدادي) في خزانة الأدب غير ذلك في الحلف الذي ضم جرم ونهد ، إذ ذكر أنهما كانتا في حلف مع بني الحارث، وان سبب تحول جرم إلى بني زبيد يرجع إلى أنها قتلت رجلا من أشراف بني الحارث فخرجت بنو الحارث يطالبون بدم أخيهم. فالتقى بنو الحارث ونهد من جهة ،وفي الجهة المقابلة زبيد وجرم بقيادة عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، وبعد أن دارت رحى المعركة بين الطرفين إذ قاتلت جرم ونهد فيها، إلا أن جرم كرهت مواصلة القتال لذا انسحبت من المعركة ، مما تسبب في انكسار حلف زبيد وجرم، وخسارة المعركة ، مما دفع عمرو بن معد يكرب إلى أن يقاتل جرم لموقفهم الذي خذلوه فيه، فاقتص منهم وهزمهم وذكر (أبو عبيدة) قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي في حربه مع بني الحارث عندما وقفت إلى جانبه نهد وجرم، وكان النصر فيها للحارث بن كعب فقد وصفهم بأنهم لم يبلوا بلاء حسناً فيها :
فلو ان قومي انطقتني رماحهم     نطقت ولكن الرماح اجرت
واستمر تحالف جرم مع الحارث بن كعب قُبيل الإسلام ، إلى أن قتل وعلة بن الحارث الجرمي من أشراف بني الحارث الحارث بن عبد المدان ، فحدث بينهم الخلاف مما دفعهم إلى مفارِقُتهم قبيلة جرم .

مع الأزد :
الأزد من القبائل اليمانية الكبيرة التي تركت مواطنها في اليمن، عند تصدع سد مأرب، وارتحلت بحثاً عن موطن جديد لها ، كان ذلك في عهد رئيسها عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن الأزد الذي أطُلق عليه عمرو مزيقيا، وكان كاهناً رأى أن بلاد اليمن تغرق ، فخرج هو وأهل بيته، ولما وصلوا نجران، مروا ببني الحارث بن كعب، وكانت بينهم حروب، وأقام من أقام في جوارهم من بني نصر بن الأزد وبني ذهل بن مزيقيا واقتسما رئاسة نجران. وكانت للحارث بن كعب علاقة مع غسان من الأزد ، فذكر (وهب بن منبه) أن غسان من ضمن قبائل الأزد التي رحلت عن مواطنها في اليمن، وقد تنقلت في مواطن عدة، وحدث قتال بينها وبين القبائل أثناء تنقلها، فقد اقتتلت قتالا شديدا مع همدان ، اضطرتهم للارتحال من بلاد همدان ، وتقدموا نحو نجران ، وّلما أتوها لقيهم قبيلة سعد العشيرة فقاتلوهم قتالاً شديداً فانهزمت سعد العشيرة، مما دفع غسان الى أن تنتسب في بني زيد الهبور، وصاروا معهم إخوة فأُطلق عليهم بنو زيد بن الحارث بن كعب .

مع قبيلة كِندة :
استطاعت قبيلة كندة أن تؤسس لها كياناً في (القرنين الثاني والثالث الميلادي) وسط الجزيرة العربية وشمال اليمن، وكانت قبيلة الحارث بن كعب إحدى القبائل التي ضمها كيان المملكة. إن العلاقة بين قبيلة كندة والحارث بن كعب انتابها الاقتتال بعد أن كان بينهم عهد وصلح، ففي غارة شنها الأشعث بن قيس على بني الحارث، تمكنوا من أسره، وبعدها افتدى نفسه بمائتي قلوص – من الإبل الشابة وهي خاصة بالإناث - ؛ في حين تذكر رواية اخرى انه افتدى نفسه بثلاثة آلاف بعير، حتى افتخر من أهل اليمن بأنه أكثر العرب كلها فداء، وكان فداء الملوك ألف ناقة ، ففدى نفسه بديات ثلاثة ملوك، وأورد (ياقوت الحموي) رواية أخرى عن أسر الأشعث بن قيس في يوم القضيب إحدى الوقائع الحربية التي حدثت بين الحارث بن كعب وكِند ة. ولكن مما ذكرته الروايات عن هذا اليوم يتضح غير ذلك، إذ أنها أجمعت على مقتل عمرو بن أمامة أخي عمرو بن هند ملك الحيرة من قبل قبيلة مراد في يوم القضيب,

مع قبيلة خثعم :
تنتسب إلى خثعم بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . وعن علاقاتها مع الحارث بن كعب فقد وقفت إلى جانبها في حربها "يوم فيف الريح" ضد بني عامر بن صعصعة، ودار حوار بين خثعم ورئيسها انس بن مدرك الخثعمي يوضح الدافع الذي ألح على خثعم للقتال إلى جانب  الحارث بن كعب، إذ قالت لرئيسها: إنا كنا وبنو الحارث بن كعب على مياه واحدة في مراع واحدة وهم لنا سلم وهذا عدو لنا أي بنو عامر بن صعصعة  ولهم ، فنريد أن ننصرف عنهم فو الله لئن سلموا وغنموا لنندمن أن لا نكون معهم ، ولئن ظفروا بهم لتقولن العرب خذلتم جيرانكم فأجمعوا على أن يقاتلوا معهم ، وجعل لهم الحصين يزيد بن شداد الحارثي الملقب "ذي الغصة" رئيس قبيلة الحارث بن كعب ثلث المرباع وهي ما يأخذه الرئيس من الغنيمة ومناهم بالزيادة. وعلى الرغم مما ذُكر عن قتال خثعم إلى جانب الحارث بن كعب في يوم "فيف الريح"، إلا أن هناك رواية تكشف في جانب منها عن حالة من الاقتتال حدثت بين خثعم وإحدى بطون بني الحارث إذ ينقل (أبو الفرج الأصفهاني) رواية عن غارة قامت بها خثعم على بني سلامان من بني الحارث، وكان فيهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي استنجدت به خثعم على بني سلامان، فاقتتلوا، ونَدمِ عمرو بن معد يكرب على اشتراكه مع بني سلامان من قوله : "خرجت غازياً وفجعت أهلي" يظهر من هذه الروايات أن العلاقة بين خثعم والحارث بن كعب كانت وثيقة في جانب منها إذ تشير إلى أن خثعم سكنت إلى جوار قبيلة الحارث بن كعب، وهذا يعني أن هذه العلاقة فيها جوانب ودية، إذ أنها اشتركت إلى جانب الحارث بن كعب في صراعها مع بني عامر في يوم "فيف الريح"  كما أسلفنا ، وفيها جوانب غير ودية أدت بهم إلى الاقتتال ، مثلما حدث حينما غزت خثعم بني سلامان من الحارث بن كعب.

الحارث بن كعب والاحتلال الحبشي لليمن :
تمكن الأحباش من دخول اليمن والتمركز في عاصمة الدولة الحِميرية ظفار رعين في بلاد "يريم" يشير إلى ذلك ما جاء في نص (508 Ryckmans) الذي  دون في سنة (518 م) يتناول الحرب التي وقعت بين الملك يوسف أسار "ذي النواس" الذي تولى الحكم سنة (516 م) وكيف اتجه هذا الملك وهاجم ظفار إذ استولى على كنيسة القليس، ثم قاتل قبيلة الاشاعر، واتّجه إلى نجران، فتجمعت فيها قبائل من أعرابها ، وقد أنزلت جيوش الملك "ذي نواس" خسائر بالأحباش والقبائل التي خضعت لسيطرتها، والراجح أن قبيلة الحارث بن كعب التي كانت تقطن نجران، وتدين بالمسيحية وقفت إلى جانب الأحباش في دخولها اليمن، لأن المسيحية كانت عاملا اسهم في جمعها، بعد أن تعرضت القبائل اليمانية المسيحية إلى اضطهاد "ذي نواس" وإحراق كنائسهم.وقد تمكن الأحباش من مد نفوذهم الى بقية أقسام اليمن فاستطاعوا انتزاع السلطة من أيدي حكام اليمن الشرعيين والقضاء على الملك سنة 525 م.

مواقفهم من السيطرة الفارسية على اليمن:
بعد مقتل سيف بن ذي يزن، وخشية كِسرى "انو شروان" أن يعود الأحباش إلى بلا د اليمن، بعث هذا الأ خير بحملة عسكرية بقيادة "وهرز" تمكن من احتلال اليمن، وألحقه إقليماً تابعًا للدولة الساسانية، وجعل "وهرز" حاكماً عليه، وتوالى عدد من حكام الفرس على بلاد اليمن وهم : (المرزبان، والبينجان، وخسرو بن البينجان، وأخرهم بأذان) وفي عهد (بأذان) شُكِّل حلف من رؤساء مجموعة قبائل : زبيد بزعامة عمرو بن معد يكرب والحارث بن كعب بزعامة يزيد بن عبد المدان والحصين بن يزيد الحارثي، و قبيلة خولان بقيادة عنبسة بن يزيد الخولاني وشهاب بن الحصين، اضافة الى جماعة من الفرسان والأشرا ف، وأجمع هؤلاء على حرب (باذان) وكان مقر اجتماعهم في "مذاب" من أرض "الجوف"، وشكل هذا الحلف خطراً يهدد الوجود الفارسي في اليمن. وتزامن هذا الحلف مع اضطراب الأوضاع الداخلية للدولة الساسانية ،وظهور تحركات ضد الفرس تمثلت في أغارة قبائل "تيم" على طريق التجارة الشرقي في منطقة "اليمامة" ، اضافة الى التحركات العسكرية التي كان يقودها المثنى بن حارثة الشيباني في العراق. ويرى "بيوتروفسكي" أن تحالف هذه القبائل حد من انتشار السلطة الفارسية في اليمن .



ديانتهم قبل الاسلام وبعده:
لم يدخل بنو الحارث بن كعب الإسلام ضمن سلسلة الوفود التي جاءت إلى المدينة لاعلان اسلامها الا بعد ان جهز الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم سرية بقيادة خالد بن الوليد في أربعمائة مقاتل، وكان ذلك في شهر ربيع الأول، وقيل في جمادى الأولى من العام العاشر للهجرة / ٦٣١ م ) إذ توجه خالد إلى نجران طالباً بني الحارث بن كعب، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا – أي ثلاثة أيام – قبل أن يقاتلهم ...............
قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- خالد بن الوليد في شهر ربيع الاخر، أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا, فإن استجابوا فاقبل منهم, وإن لم يفعلوا فقاتلهم, فخرج خالد حتى قدم عليهم, فبعث الركبان يضربون في كل وجه, ويدعون إلى الإسلام, ويقولون:" أيها الناس أسلموا لتسلموا", فأسلم الناس, ودخلوا فيما دعوا إليه, فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام, وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك, فكتب له رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يقبل ويقبل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، فيهم :
قيس بن الحصين بن يزيد بن قنان ذو الغصة
ويزيد بن عبد المدان
ويزيد بن المحجل
وعبد الله بن قراد الزيادي
وشداد بن عبد الله القناني
وعمرو بن عبد الله الضبابي
أما في الرواية التي أوردها (ابن سعد) فذكر عددهم سبعة مضيفا إليهم عبد الله بن عبد المدان.
فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فراهم، قال: من هؤلاء القوم, الذين كأنهم رجال الهند؟. قيل: يا رسول الله، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب؛ فلما وقفوا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- سلموا عليه، وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأنه لا إله إلا إلا الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أشهد أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله، ثم قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا؟، فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثالثة، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة، فقال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرار؛ فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم  لو أن خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم؛ فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا، قال: فمن حمدتم؟ قالوا: الله –عز وجل- الذي هدانا بك يا رسول الله؛ قال: صدقتم. ثم قال لهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ قالوا: لم نكن نغلب أحدا. قال: بلى، قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرق, ولا نبدأ أحدا بظلم, قال: صدقتم. وأمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال, أو في صدر ذي القعدة, فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر, حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد رجوع وفد بني الحارث بن كعب بعث الرسول معهم عمرو بن حزم الأنصاري ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة وتعاليم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه لهذه المهمة وكتب الرسول كتابا إلى زعماء بني الحارث بن كعب وبطونهم يقرهم على أراضيهم ويطالبهم بأداءِ فرائض الإسلام ، إذ كتب إلى العاصم بن الحارث ، وذي الغصة ، وبني الضباب ، ويزيد بن الطفيل، وبني قنان بن ثعلبة، وعبد يغوث، وبني زياد، ويزيد بن المحجل، وبني قنان بن يزيد الحارثي.
- ومما ذُكر عن وفد بني الحارث بن كعب يمكن القول إن ما يفهم من الحوار الذي دار بين الرسول وأعضاء الوفد انه صلى الله عليه وسلم أغلظ القول عليهم في قوله : "انتم الذين إذا زجروا استقدموا" مكررا ذلك أربع مرات، ربما راجع إلى أن الرسول أراد أن يحد من كبريائهم وزهوهم الذي كانوا علية قبل إسلامهم، وخاطبهم الرسول بعد أن امتثلوا إليه بنبرة تثير الاعتزاز بأنفسهم بقولة : "بما كنتم تغلبون من قاتلكم" .

قدوم وفد نصارى نجران عليه صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق : وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم . قال وحدثني يزيد بن سفيان عن ابن البيلماني عن كرز بن علقمة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكبا منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم  والأربعة والعشرون منهم ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم وهم: "العاقب" أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسيح . و "السيد" ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم. و "أبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل" أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم.
وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم .فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال له كرز تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو حارثة بل أنت تعست . فقال ولم يا أخي ؟ فقال والله إنه النبي الأمي الذي كنا ننتظره . فقال له كرز فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا ؟ فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك .

وقد ذكر ابن هشام خبرا، بلغني ان رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرياسة الى غيره ختم على تلك الكتب خاتما من الخواتم التي كانت قبله ولم يكسرها، فخرج الرئيس الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمشي فعثر فقال ابنه تعس الابعد يريد النبي فقال له أبوه : لا تفعل فانه نبي واسمه في الوضائع "اي الكتب" فلما مات لم تكن لابنه همة الا ان شد فكسر الخواتم، فوجد فيها ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم وحسن إسلامة وحج وأنشد قائلا:
إليــك تعـدو قـلقا وضـينها
معترضا في بطنها جنينها
مخالفا دين النصارى دينها
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال حدثني سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى، ما كان إلا نصرانيا فأنزل الله عز وجل فيهم يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين [ ال عمران 65 66 ]

فقال رجل من الأحبار أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ وقال رجل من نصارى نجران أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن أعبد غير الله أو امر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا أمرني فأنزل الله عز وجل في ذلك ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ ال عمران 79 ] ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى ابائهم من الميثاق بتصديقه وإقرارهم به على أنفسهم فقال وإذ أخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله من الشاهدين [ ال عمران 81 ] .
وحدثني محمد بن سهل بن أبي أمامة قال لما قدم وفد نجران على رسول الله يسألونه عن عيسى ابن مريم نزل فيهم فاتحة ال عمران إلى رأس الثمانين منها.
وروينا عن أبي عبد الله الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده - قال يونس وكان نصرانيا فأسلم - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران (باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد اذنتكم بحرب والسلام ) فلما أتى الأسقف الكتاب فقرأه فظع به وذعر به ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزل معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقرأه فقال الأسقف يا أبا مريم ما رأيك ؟ فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا هو ذلك الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحية فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل . فقال له الأسقف تنح فاجلس فتنحى فجلس ناحية فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فأمره الأسقف فتنحى . فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ورفعت المسوح في الصوامع وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار وإذا كان فزعهم بالليل ضرب الناقوس ورفعت النيران في الصوامع فاجتمع - حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح - أهل الوادي أعلاه وأسفله وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه فاجتمع رأي أهل الوادي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من الحبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم كانا يخرجان العير في الجاهلية إلى نجران فيشترى لهما من برها وثمرها وذرتها فوجدوهما في ناس من الأنصار والمهاجرين في مجلس فقالوا : يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد علينا سلامنا وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما أنعود ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن رضي الله عنهما أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يأتوا إليه ففعل الوفد ذلك فوضعوا حللهم وخواتيمهم ثم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد سلامهم ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له ما تقول في عيسى عليه السلام؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى فيسرنا إن كنت نبيا أن نعلم ما تقول فيه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى عليه السلام فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [ ال عمران 59 - 61 ]
فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له وفاطمة رضي الله عنها تمشي عند ظهره للمباهلة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا مقبلا وأرى والله إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة وإنا أدنى العرب منهم جوارا وإن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك فقال له صاحباه فما الرأي فقد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك ؟ فقال رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا. فقالا له أنت وذاك . فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال وما هو ؟ قال شرحبيل حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل وراءك أحدا يثرب عليك فقال له شرحبيل سل صاحبي فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كافر " أو قال " جاحد موفق. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم في الكتاب ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لنجران إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرة وفي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة وكل حلة أوقية ما زادت على الخراج أو نقصت على الأواقي فبحساب وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بحساب وعلى نجران مثواة رسلي ومتعتهم بها عشرين فدونه ولا يحبس رسول فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إذا كان كيد باليمن ومغدرة وما هلك مما أعاروا رسولي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسولي حتى يؤديه إليهم ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبعهم وأن لا يغيروا مما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم ولا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا وافه عن وفهيته وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس عليهم ريبة ولا دم جاهلية ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة ولا يؤخذ رجل منهم بظلم اخر وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم )) شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف والأقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة بن شعبة. وكتب حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليلة ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف فبينما هو يقرؤه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الأسقف عند ذلك قد تعست والله نبيا مرسلا فقال بشر لا جرم والله لا أحل عنها عقدا حتى اتيه فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه فقال له افهم عني إنما قلت هذا لتبلغ عني العرب مخافة أن يقولوا : إنا أخذنا حمقة أو نخعنا لهذا الرجل بما لم تنخع به العرب ونحن أعزهم وأجمعهم دارا فقال له بشر لا والله لا أقيلك ما خرج من رأسك أبدا فضرب بشر ناقته وهو مول ظهره للأسقف وهو يقول إليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استشهد أبو علقمة بعد ذلك . ودخل الوفد نجران فأتى الراهب ابن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعة له فقال له إن نبيا قد بُعث بتهامة وإنه كتب إلى الأسقف فأجمع أهل الوادي أن يسيروا إليه شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبره فساروا حتى أتوه فدعاهم إلى المباهلة فكرهوا ملاعنته وحكمه شرحبيل فحكم عليهم حكما وكتب لهم كتابا ثم أقبل الوفد بالكتاب حتى دفعوه إلى الأسقف فبينا الأسقف يقرؤه وبشر معه حتى كبت ببشر ناقته فتعسه فشهد الأسقف أنه نبي مرسل فانصرف أبو علقمة نحوه يريد الإسلام، فقال الراهب أنزلوني وإلا رميت بنفسي من هذه الصومعة فأنزلوه فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء والقعب والعصا وأقام الراهب بعد ذلك يسمع كيف ينزل الوحي والسنن والفرائض والحدود وأبى الله للراهب الإسلام فلم يسلم واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجعة إلى قومه وقال إن لي حاجة ومعادا إن شاء الله تعالى فرجع إلى قومه فلم يعد حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإن الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه وأقاموا عنده يستمعون ما ينزل الله عليه فكتب للأسقف هذا الكتاب وللأساقفة بنجران بعده ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى الأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وأهل بيعهم ورقيقهم وملتهم وسوقتهم وعلى كل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا مما كانوا عليه على ذلك جوار الله ورسوله أبدا ما نصحوا وأصلحوا عليهم غير منقلبين بظالم ولا ظالمين)) وكتب المغيرة بن شعبة. فلما قبض الأسقف الكتاب استأذن في الانصراف إلى قومه ومن معه فأذن لهم فانصرفوا .
وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن مسعود أن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه لا تلاعنه فوالله إن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالوا له نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " فاستشرف لها أصحابه فقال " قم يا أبا عبيدة بن الجراح " فلما قام قال هذا أمين هذه الأمة ورواه البخاري في " صحيحه " من حديث حذيفة بنحوه .
وفي " صحيح مسلم " من حديث المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا فيما قالوا : أرأيت ما يقرأون (يا أخت هارون) وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال ( أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون  بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم) ؟
وروينا عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى أهل نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم .

ويتضح إن المصالحة بين الرسول ونصارى نجران تعبر عن عدم رغبته في أن تصبح نجران عقبة في طريق دخول الإسلام بلاد اليمن، كما إن أهل نجران كانوا  يأملون من الاتفاق أن يحمي مصالحهم التجارية فقد كانت نجران محطة قوافل ومما يجدر ذكره عن هذين الوفدين ما يراه (الدكتور عبد الرحمن الشجاع) إن بني الحارث ليسوا من نصارى نجران وإلا دخلوا في الصلح الذي فرضه الرسول على نصارى نجران ووافق عليه زعماؤهم ، ويستنتج ذلك أيضا مما طلبه الرسول من خالد بن الوليد أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا، ولو كانوا من أهل الكتاب لكان يواجههم بالتخيير بين ثلاث الإسلام أو الجزية أو القتال، ولكن في هذا المجال يمكن القول أن وفد بني الحارث الذي عقب سرية خالد بن الوليد سبق وفد نصارى نجران يتضح ذلك من خلال ما ذكره (ابن سعد) عن الوفود التي قدمت إلى المدينة. أو ما سجله (الطبري) عن وفود اليمن في حوادث سنة ( ٩هـ -٦٣١م ) ما يؤيد ذلك ، يضاف الى ما سبق الحديث عن تنصر بني الحارث بن كعب، وان (عبد المسيح) احد أعضاء وفد نصارى نجران كان من بني الحارث بن كعب، ومما يدعم هذا ما جاء عند (أبي عبيد) و (قدامه بن جعفر) ما يشير إلى تنصر بني الحارث بن كعب، حيث قبل الرسول عنهم الجزية.
فيما حضر وفد أخر من بني الحارث بن كعب على شكل جماعات منفردة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يبدو انه اسلم طواعية، إلا أن المصادر لم تشر إلى السنة التي وفد بها هذا الوفد إلى المدينة ، لذا يمكن الاعتقاد أن هذا الوفد جاء بعد إسلام بني الحارث بن كعب على اثر السرية التي بعثها الرسول بقيادة خالد بن الوليد وكان ومنهم هانئ بن يزيد الحارثي إذ قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد من بني الحارث بن كعب وكان يكنى أبا الحكم ، فدعاه الرسول وقال: إن الله هو الحكم واليه الحكم فلم تكنى بأبي الحكم ؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء حكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، وسماه الرسول (أبا شريح بأكبر ولده) .
ومنهم بشير الحارثي، يكنى‏:‏ أبا عصام، قال أبو نعيم‏:‏ هو بشير بن فديك، وجعل ابن منده‏:‏ بشير بن فديك غير بشير الحارثي أبي عصام، ويرد الكلام عليه في بشير بن فديك، إن شاء الله، له رؤية، ولأبيه صحبة، روى عنه ابنه عصام بن بشير أنه قال‏:‏ ‏"‏وفدني قومي بنو الحارث بن كعب إلى النبي بإسلامهم فدخلت عليه فقال‏:‏ ‏"‏من أين أقبلت‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ أنا وافد قومي بني الحارث بن كعب إليك بالإسلام، فقال‏:‏ ‏"‏مرحباً، ما اسمك‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ اسمي أكبر، قال‏:‏ ‏"‏أنت بشير‏"‏‏.‏
ومنهم عبدة بن مسهر، روى حديثه، إسماعيل بن أبي خالد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبدة بن مسهر، قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أين منزلك يا ابن مسهر‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ بكعبة نجران رواه ابن أبي زائدة ومنصور بن أبي الأسود، وغيرهما عن إسماعيل. 
وفي رواية عن طريق الشعبي، أخبرنا علي بن محمد القرشي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الشعبي ، قال : قدم عبدة بن مسهر الحارثي على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أشياء مما خلف ورأى في سفره ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبره عنها ، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلم يا ابن مسهر لا تبع دينك بدنياك " . فأسلم .

- تخالف الوفود على الرسول صلى الله عليه واله وسلم يوضح لنا ان من قدم من اهل نجران كانوا مختلفين في عقائدهم وطبقاتهم، فمنهم من كان قد اسلم كالوفد الذي أتى في سرية خالد بن الوليد، وكان معظمهم على الوثنية والشرك  من بني الحارث وأسلم، ومنهم من قدم وكان من النصارى واسلم واتبع الحق، ومنهم من ثرب عليه الرهبان وتعصب لدين النصرانية وبقى عليه وقبلوا بدفع الجزية وهم صاغرون، اما من بقي من اهل الوبر والمدر والطبقة الادنى منهم في مجملهم كانوا وثنيين ومشركين .


زعماء وأعلام بنو الحارث بن كعب
بنو الحارث بن كعب: ويقال بلحارث: دوحة باسقة الظلال اصلها ثابت وفرعها في السماء وعمارة من القبائل اليمنية الكبرى المعروفة بالمجد والسؤدد واحد جمرات العرب الثلاث . وفصحائها الذين يضرب بفصاحة منطقهم الامثال كما انهم ضخام الاجسام , كبار الهامه , وهم سنام مذحج وغاربها واشرافها وفرسانها. جمرة من جمرات العرب الثلاث، ويطلق على بني الحارث أيضا (الحسك) جمع (حسكة) هي الشوكة الصلبة المعروفة، وربما أن سبب تسميتهم راجع إلى كثرة عددهم وبأسهم. وهم (بنو ضبة بن أدد، وبنو نمير بن عامر، وبنو الحارث بن كعب)  فطفئت منهم جمرتان وبقيت واحدة، فطفئت بنو ضبة لأنها حالفت الرباب، وطفيت بنو الحارث لأنها حالفت (مذحج) وبقيت نمير لأنها لم تحالف.
- وهناك رواية أخرى ذكرها (أبو عبيدة) أيضا تشير إلى إن امرأة من اليمن رأت في منامها لها ثلاث جمرات،فتزوجها (كعب بن عبد المدان) وهم أشراف اليمن، ثم تزوجها (بغيض بن ريث) فولدت له عبسا، وهم فرسان العرب، ثم تزوجها (أدد) فولدت له (ضبة)، فجمرتان في مضر وجمرة في اليمن.
- ويبدو أن من الصعب قبول الرواية الثانية، لان كتب النسب لم تذكر أن كعبا ابن لعبد المدان وإنما بنو عبد المدان يرجعون إلى زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن مالك بن كعب الحارث.
ويتضح من الروايتين أن الجمرة هي القبيلة التي إذا حاربت أعداءها لم تحالف غيرها، ولكن من غير المعقول ذلك، لان العلاقات القبلية السائدة آنذاك يحتم في الكثير منها عقد المحالفات بين القبائل، وبخاصة في التوتر والصراعات القبلية.
والأرجح في مفهوم (الجمرة) ما ذكره (البكري) عن تسميتها لاجتماعها وكثرتها. أو ربما هي القبيلة التي تقاتل مجموعة قبائل، أو التي يكون فيها ثلاثمائة فارس أو يزيدون إلى ألف فارس. وفيهم خمسة رجال من فرسان العرب اليمانية، وهم تسعة عشر فارسا جراراً، وكانت تطلق العرب على الرجل الجرار اي انه يقود الف فارس، والخمسة هم: عبد يغوث الحارثي، ذو الغصة ، مخرم بن حزن، يزيد بن الديان، العباب،

- تناول الكثير من الشعراء في الاطراء والمدح والتفاخر لقبيلة بنو الحارث بن كعب، فهي قبيلة لمع اسمها بين قبائل الجزيرة العربية بما لم يكن لغيرهم من مناقب، وبمجدها وعزها وكرمها وجودها ومواقفها البطولية قبل وبعد الاسلام، مما دفع الشعراء وتفاودهم عليهم ومدحهم بالشعر، كالاعشى، وعامر بن الطفيل، والفرزدق، وامية بن الصلت، وقيس بن زهير، ودريد بن الصمة، وكثير من الشعراء في القديم والحديث.

ومن ألمع زعمائهم وكبارهم:
الدیان بن قطن الحارثي زعیم مذحج و نجران من بنو زياد:
هو الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث رئيس قبيلة بني الحارث بن كعب المذحجية، وهو کبیر و زعیم بني الحارث بن كعب المذحجيين وسائر قبائل مذحج ومخلاف نجران. وخاصة في مناطق مأرب والجوف (براقش) و نجران بمدلولها الواسع القدیم الذي کان یمتد الی جُرش وتخوم الطائف. وكان الديان قائد بني الحارث بن كعب ومذحج في الحملات التى وجّهها الملك حسان ضد بعض قبائل مُضر ونزار ومعد بن عدنان فى جهات نجد واليمامة لإعادة بسط نفوذ الدولة الحميرية وتأمين الطرق التجارية بتلك الجهات. فانطلق الديان بفرسان بني الحارث بن كعب ومذحج وطيى من براقش ونجران إلى تلك المناطق والقبائل. وجاء في مادة براقش بکتاب شمس العلوم إنه قال الشاعر :

یقود بها دیانها غیر عاجز    ثمـانین آلفاً قادها من براقــش
فابوا بالفيّ كاعب مُضرّية    على إبل مثل الضباع نواهش

وكان الديان بن قطن الحارثي زعيم نجران في عهد حسان وعهد أسعد تبع بن حسان عام 457 - 477 م الی عهد یوسف آسار ذي نواس 515 م وهو خال ذي نواس. قال ابن خلدون: اتفق أهل الاخبار كلهم على أن ذا نواس هو ابن تبان أسعد - بن حسان – ومؤدي ذلك أن أخت الديان كانت زوجة أسعد تبع . قال الهمداني في الإكليل: وأم ذي نواس: سلمى بنت [ قطن ] بن زياد الحارثي. من بني الحارث بن كعب.
وقال الأبرهي، قال بعض السُخطيين : إن أمّه مسكينة بنت زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. وسألتُ أبا الهيذم الشخطي فقال لي: خال ذي نواس : عبد المدان بن الدیان. [ص 93/2]
والصواب آن خال ذي نواس الديان بن قطن لأن زمن عبد المدان بن الديان متأخر. وكان الديان بن قطن رئيس نجران بمدلولها الواسع القديم إلى تخوم الطائف ونجد في عهد تُبّع أسعد حيث كان سلطان الدولة الحميرية يشمل كل أرجاء اليمن الطبيعية. وكان الديان من قادة الحملة إلى خزازي في نجد (بعد عهد أسعد بن حسان) وقال في ذلك أبياتاً منها

صبحنا تغلباً و سراة بکر    بداهــیة یشـیب لهـا الولـید
فقالوا والحديد غداة يعني     فلــيس يفــــله إلا الحـــديد

وكانت زعامة الديان وبني الديان في نجران ومخاليفها مثل زعامة بني ذي رعين في ظفار و مناطق حمیر، ومثل زعامة آل ذي يزن في مدينة عبدان وأذوائيات يزن ومشرق اليمن، قال يزيد بن عبد المدان بن الديان:

إن تلق حـيّ بنـي الــديان تلــقهم       شـم الأنوف إليهـم عــزة اليمـن
ما كان في الناس للديان من شبّه      إلا رُعَــيـن وإلا آل ذي يـــــزن

قال عبد الحارث بن أنس بن الديان :

ونحن بحمد الله هامة مذحج         بنو الحــرث الخـير الذين هم مدر
ومن هذا البطن بيت بنو عبد المدان احد بيوتات العرب الثلاثة: الذين هم بيت زرارة بن عدس في بني تميم، وبيت (حذيفة بن بدر في بن ي فزارة) وبيت (عبد المدان بن حارث بن كعب) واسمه (يزيد بن قطن بن زياد ) ويرى (ابن الكلبي) أن تسمية (عبد المدان) جاءت من البيت في حين يرى (ابن دريد ) أن المدان اسم صنم واشتقاقه من الدين (أي الجزاء) وبيت عبدالمدان أخوال أبي العباس السفاح. وهم روس بني الحارث في الجاهلية وصدر الإسلام حيث كان لهم ُملك عظيم وجبروت بنو عبد المدان فهم كانوا شيوخ بني الحارث وكبارهم وهم بنو عبد المدان واسمه عمرو بن الديّان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب ولهم شهرة ومنزلة وهم أخوال أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس وهم الذين قال فيهم الشاعر :

ولو أني بليت بهاشـمي     خــؤولته بنــو عـبد المــدان
لهان علي ما أجد ولكن     تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

ويذكر ان بني عبد المدان كانوا يغزون قلب نجد وكان من ينظر إلى نجران وبعدها عن نجد يرى ان ذلك من الخوارق لبعدها عن نجد.. وكان العرب ينظرون لبني عبد المدان نظرة اعجاب وهيبة يقول أحد شعراء العرب لآخر كان يمشي متبخترا

تلــوث عمـامة وتجر رمــحا    كـــأنك من بنـي عبـد المــدان

ومنهم يزيد بن عبد المدان كان شريفا شاعرا،و ذو سلاسه وشجاعة وحكمه وهو اول حارثي يحكم نجران
 ومنهم عبد الحجر وهو عبد الله الشاعر، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله، قتله بسر بن أبي أرطاة حين توجه إلى اليمن، لانه ممن كان في طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام. وقتل ابنه مالكا .
ومنهم الربيع بن زياد الحارثي، الذي لتواضعه وصفه الخليفة عمر بن الخطاب بقوله "دلوني على رجل كان في القوم أميرا، وكأنه ليس بأمير ، وإذا كان في القوم ليس بأمير فكأنه أمير بعينة". تولى الربيع بن زياد "سجستان" سنة 46 هـ - 670 م. وتولى ابنه عبد الله بن ربيع خراسان بعد موت أبيه سنة 52 هـ 672 م. وأخوه المهاجر بن زياد الذي كان احد القادة في جيش أبي موسى الأشعري - لفتح إقليم الأهواز واشتهر منهم الحارث بن زياد بن الربيع بن زياد في "الفلك" وقد وصفه (ابن الكلبي) أنه لم يكن على الأرض عربي أبصر منهم بنجم.
 ومخرم بن حزن بن زياد وكان شريفا وشاعرا واليه ينسب "مخرم بغداد" نزلها بعد فتح المدائن.
 ومنهم يزيد بن أبان الشاعر وصِف بانَّه نابغةُ بني الحارث بن كعب.
 ومنهم مُباري الريح هو خالد بن معشر بن النار بن الحارث، وفيه قال الشاعر:

تــمنـت حـال خـالـد بـن الـنـــارِ     الـمُطـعـم الشـحـمّ فـي الأصـفـارِ
مانحُ جـودَ الـنـوق في الأضرارِ     مــن عــصــبٍ مــاجــدة أحــرارِ

ومنهم تُومة لقب لـ الحارث بن مرسوع بن الحارث بن النار بن الحارث.
 ومنهم النجاشي هو قيس بن عمرو بن معاوية بن خديج بن الحِماس بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب، وسمي بذلك لأن لونه كان يشبه لون الحبش.
 ومنهم اللجلاج هو طفيل بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة بن المعقل، كان فارسًا شريفًا.
 ومنهم ذو الغُصة هو الحصين بن يزيد بن شدّاد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب ، سمي بذلك لأنه كان يغتص إذا تكلم فيصعب عليه الكلام ، وقد رأس بني الحارث مائة عام .
 ومنهم ملاعب الأسنة هو عبد الله بن الحصين بن يزيد بن شدّاد .
 ومنهم عمير بن الحصينَ الحارثي , وعبدالحارث بن أنس الحارثي وهم من احد سادات بني الحارث الذين وقفوا ومنعوا اهل نجران من الردة عن دينهم بعد أن توفي الرسول عليه الصلاة والسلام تسارع الناس إل الردة فقام خطيبَا فيهم يذكرهم في دينهم ويحثهم على البقاء وتثبيتهم على دين الاسلام، وقال: إنكم لإن تزدادوا من هذا الأمر أحوج الى ان تنقصوة، فإن الانكار شك بعد اليقين ودينكم اليوم دينكم بالامس فكونوا عليه حتى تخرجوا به الى رضا الله تعالى ونوره . بعد ان اكمل خطبتة أنشد قائلا:

أهل نجران أمسكوا بهدى الله      وكونوا بدا على الكفار
لاتكونوا بعد اليقين الى الشك      وبعد الرضاء الى الانكار
واستقيموا على الطريق فيه        وكونوا كهيئة الانصار

ومنهم ماقبل عنهم فوارس الأرباع و هم قيس، و عمرو، و زياد، و مالك بنو الحصين بن يزيد بن شدّاد ، سموا بذلك لأن أبيهم إذا حضر حربًا ولي كل منهم ربعها .
والديان وبنو الحارث بن كعب وأهل نجران يدينون بالديانة المسيحية، واستمرت زعامة نجران في بني الديان إلى عهد سيف بن ذي يزن وأيام الجاهلية وکان من آخرهم یزید بن عبد المدان بن الدیان. وكان لبني الحارث ابهه وملك وكان ملكهم في بني عبد المدان وقد بنوا بني عبد المدان الحارثي في الجاهلية في نجران كعبة واسموها (كعبة نجران) فخرا. قال الاعشی :

وکعبة نجران ختم علیك     حـتی تنیــخ با أبـوابها
تزور يزيد وعبد المسیح     وقیساً هم خیر آربابها

وروي عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، انه عندما رأى وفدهم قال من هؤلاء الذين كأنهم من رجال الهند، وقد شهد لهم النبي بالغلبة والقوة حيث قال لهم : بما كنتم تغلبون الناس يا بني الحارث؟
قال فيهم شاعر الاسلام حسان بن ثابت الانصاري :

وقد كنا نقول إذا راينــا     لـذي جســم يُعد وذو بيـان
كأنك ايها المعطي بيانا    وجسما من بني عبدالمدان

ومنهم محمد بن زيد بن عبدالله بن زيد بن عبدالمدان الحارثي وهو والي اليمن من عام 133هـ ولاه الخليفة العباسي ابو العباس السفاح، وام ابو العباس السفاح هي ريطه بنت عبيدالله بن عبيدالله بن عبدالمدان بن الديان الحارثي. ومكث مجمد خمسة اشهر قبل ان يموت . ومنهم علي بن زيد بن عبدالله بن زيد بن عبدالمدان الحارثي ولاه اخوه محمد على عدن مات في نفس اليوم الذي مات فيه اخوه.
 ومنهم عبدالله بن مالك الحارثي ولاه ابو العباس بعد محمد وعلي و مكث اربعة اشهر بعد محمد بن زيد واخوه علي , ثم عزله ابو العباس .
 ومنهم علي بن عبدالربيع بن عبدالله بن عبدالمدان الحارثي ولاه ابو العباس بعد عبدالله بن مالك ومكث اربع سنين واشهرا .
 و عبدالله بن الربيع بن عبدالله بن عبدالمدان الحارثي بعد وفاة ابو العباس السفاح استخلف اخوه ابوجعفرالمنصور فعزل علي بن عبدالربيع ووضع عبدالله بن الربيع مكانه , وبعد مدة سافر عبدالله بن الربيع الى ابو جعفر المنصور ووضع مكانه ابنه وكان نائب على المدينة.
 ومنهم سليمان بن يزيد بن عبدالمدان الحارثي ولاه المهدي على اليمن .
 ومنهم الربيع بن عبدالله الحارثي ولاه هارون الرشيد على اليمن .

ومن بني الحارث بن كعب الفارس العظيم عبد يغوث بن الحارث بن وقاص بن صلاءة بن المعقل بن كعب الأرت بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. أحد رؤساء اليمن، أسرته الرباب يوم الكلاب وقتل صبراً؛ ومن ولده: علبة بن ربيعة بن عبد يغوث المذكور. هكذا ذكر بعض أهل العلم بالنسب؛ قال عنه الجاحظ في البيان والتبيين: ليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث فإن قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما فلم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية. وقد قال وهو يرثي نفسة قصيدتة المشهورة التي مطلعها:
ألا لا تلوماني كفي اللوم ما بيا     وما لكما في اللوم خير ولا ليا
 إشتهر عبد يغوث بالفروسية والجمال والكرم والشجاعة والسيادة في قومه، ويعد هذا الفارس أعظم الملوك الذين حكموا نجران وليس ذلك فحسب وإنما من أعظم ملوك الجزيرة العربية ، لقب عبد يغوث بالعديد من الألقاب الشهيرة من أعظمها " شيخ العرب " ولم يلقب عبد يغوث بهذا اللقب عبثاً. وقد قيل عنه " كأنه من قريش و أخواله بني عبد المدان ". وقيل ذلك كناية لشجاعته وجماله، حيث يعلم الجميع ويقر بأن قريش التي يرجع إليها النسب الشريف النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة، هم مثال للشجاعة والفروسية والجمال والكرم والحنكة و حسن القيادة والسيادة.

في معركتة الاخيرة وقبل اسرة، واجه عبد يغوث رجل أهوج من تميم وطلب من عبد يغوث مبارزته ولكن عبد يغوث يتجاهله فإذا برمح من الأهوج ، يطيح بفرس عبد يغوث قائد مذحج وحلفاؤها ، وأسره في تلك المعركة ، وعمدوا لإهانته ، وخافت تميم من أن يهجوهم بشعره ، فربطوا لسانه ، كما قال في قصيدتة
أقول وقد شـدوا لساني بنســعة     أمعشــر تيم أطلــقوا عن لسانيا
 ووعدهم بأن لا يهجوهم ، ويطلقوا لسانه ، فقال أبيات حزينة في الرثاء وقد اتفق الادباء على أنها أصدق ما قيل في الرثاء ، بالاضافة إلى قصيدة طرفة بن العبد فقط وقد ذكرت هذه الابيات في كتاب يسمى رثاء النفس للمؤلف حسين علي محمد وهذه الأبيات الحزينة التي أنشدها الملك عبد يغوث ، ينوح فيها نفسه، وفي ذلك الوقت رأته شيخة عبشمية عظيما جميلا جسيما فقالت: من أنت ؟
قال: أنا سيد القوم. فضحكت وقالت : قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج. فرد عليها عبد يغوث :
وتضحك مني شيخة عبشــــمية     كأن لم تري قبلي أسيرا ً يما نيا
ثم قال لها : أيتها العزيزة ، هل لك إلى خير؟ قالت : وما ذاك ؟ قال : أعطي ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم فإني أتخوف أن تنتزعني سعد والرباب منه . فضمن له مئة من الإبل ، قبضها العبشمي وانطلق إلى الأهتم فقال عبد يغوث :
أأهــــتم يا خير البريــة والــدا ً   ورهطا ً إذا ما الناس عدُّوا المساعيا
تدارك أسيرا ًعانيـاً في بلادكم     ولا تثقفني التـيم ألقــى الـــدواهيـــا
فمشت سعد والرباب إلى الأهتم فيه، فقالت الرباب: يا بني سعد، قتل فارسنا " وهو النعمان بن جساس " ولم يقتل لكم فارس، فدفعه إليهم، فأخذه عصمة بن أبير التيمي فانطلق به إلى منزله، فقال عبد يغوث: يا بني تيم، اقتلوني قتلة كريمة؛ فقال عصمة: وما تلك القتلة؟ قال: اسقوني الخمر، ودعوني أنوح على نفسي، فجاءه عصمة بالشراب فسقاه، ثم قطع عرقه الأكحل وتركه ينزف ومضى، وجعل معه رجلين فقالا لعبد يغوث: جمعت أهل اليمن ثم جئت لتصطلمنا! كيف رأيت صنع الله بك! فقال هذه القصيدة:

ألا لا تلوماني كفي اللوم ما بيا     وما لكما في اللوم خير ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها قليل     وما لومي أخي من شماليا
فيا راكبا إما عرضت فبلغن     نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أبا كرب والأيهمين كليهما     وقيسا بأعلي حضرموت اليمانيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامة     صريحهم والآخرين المواليا
ولو شئت نجتني من الخيل نهدة     ترى خلفها الحو الجياد تواليا
ولكنني أحمــي ذمــار أبيكم     وكان الرماح يختطفن المحاميا
أقول وقد شدوا لساني بنسعة     أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
أمعشر تيم قد ملكتهم فأسجحوا    فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
فإن تقتلوني تقتلوا بي سيدا     وإن تطلقوني تحربوني بماليا
أحقا عباد الله أن لست سامعا     نشيد الرعاء المعزبين المتاليا
وتضحك مني شيخة عبشمية     كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
وقد علمت عرسي مليكة أنني     أنا الليث معدوا علي وعاديا
وقد كنت نحار الجزور ومعمل     المطي وأمضي حيث لا حي ماضيا
وأنحر للشرب الكرام مطيتي     وأصدع بين القينتين ردائيا
فيا راكبا إما عرضت فبلغن     نداماي من نجران أن لا تلاقيا
جزا الله قومي بالكلاب ملامة     صريحهم، والاخرين المواليا
أقول وقد شدوا لساني بنسعة     أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
وتضحك مني شيخة  عبشمية     كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا !!
وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا     لبيقا بتصريف القناة بنانيا
وعادية سوم الجراد وزعتها     بكفي وقد أنحوا إلي العواليا
كأني لم أركب جوادا ولم أقل     لخيلي كري نفسي عن رجاليا
ولم أسباء الزق الروي ولم أقل   لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا

ومنهم  "شريك الاعور" بن الحارث بن عبد يغوث بن خلفة بن سلمة بن دهني،احد فرسان وقادة الامام علي عليه السلام، شهد معه الجمل وصفين. وكان ذا بأس ومؤثرأ في قومه، دخل على معاوية بن أبي سفيان ذات يوم، وأراد معاوية أن يضع من قدره فأجابة شريك بالمثل، وقد اشتاط غضبا وانشد قائلا:

أيشتُمـني مُعـاوية بن حـربٍ     وسـيفي صـارِم ومعي لِسـاني
وحولي مِن ذَوي يمنٍ رِجالُ      غَطَـارِفةّ نَهِـشُ إلـى الطّعـــانِ
فإن يكن مِن أُمَيةَ في ذُراهـا     فإنــي فـي ذُرى عبدِ المــــدان
وإن يكُن الخَلِيفَة مِن قُريـشٍ      فـأّنــا لا نقـــر علـى الَهـــوانِ

ثم خرج مغضبا، فخرج وراءه خلق كثير من اليمانية كانوا قد حضروا، فغضبوا لغضبه، فعند ذلك قام معاوية ماشيا خلفه، خوفا من الفتنه، فترضاه واعتذر إليه وولاه على قومه. وان صحت هذه الرواية فإنها توضح في جانب منها المكانة التي كانت عليها الحارث بن كعب وتحالفاتها في عهد وحكم معاوية بن أبي سفيان.
ومن اعلامهم هانئ بن يزيد، إذ قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني الحارث بن كعب الى الاسلام وكان يكنى أبا الحكم، فدعاه الرسول وقال: إن الله هو الحكم واليه الحكم فلم تكنى بأبي الحكم ؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء حكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، وسماه الرسول (أبا شريح بأكبر ولده) .
ابنه شريح بن هاني بن يزيد ابن نهيك بن دريد، شهد القادسية، ويوم تستر ونهاوند وفتح إقليم الاهواز وكان من قادة الامام علي عليه السلام في الجمل وصفين والنهروان وشهد التحكيم، وكانت له وجاهه إذ وفد على معاوية بن أبي سفيان يشفع في كثير بن شهاب الحارثي فأطلق سراحه، وقتل شهيدا، قتلته الأعاجم بسجستان في الجيش الذي بعثه الوالي الحجاج بن يوسف الثقفي. وطال عمره القتال، وبلغ من العمر مائة وعشرون سنة .

أصبحت ذابتـا أقاســي الكـبـر     اقد عشث بين المشركين أعصرا
ثـم أدركــت النبـــي المنــــــذر   او بعــــــده صـديـقـــه وعـمـــرا
ويوم مــهـران ويــوم تستــــرا   والجــمع فـي صـيفينهم والنـهـرا
وبـا جمــيـروات والمـشــــقـرا  هيهات ما لطـــول هــذا عمـــرا

ومنهم  ابناء علبه وهم جعفر، وكان شاعراً مقل وفارساَ لايهاب الموت؛ وجعدة؛ وماعز؛ قتل جعفر صبراً في الإسلام بمكة؛ ادعت عليه بنو عقيل أنه قتل منهم رجلاً، فبعث فيه إلى نجران وإلى مكة في صدر دولة السفاح، وأقسم عليه خمسون من بني عقيل، فقتلوه. وهو القائل:

ألهفي بقرى سحبل يوم أجلبت      علــينا الولايا والعــدو المباسـل

وكان أبوه حياً حين قتل؛ ومسهر بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة، الذي فقأ عين عامر بن الطفيل يوم فيف الريح؛
 وهؤلاء والكثير غيرهم، لم يتم ذكرهم من بطون بني الحارث بن كعب، اما اهل الرياسة بنو عبدالمدان لا يزال لهم بقيه في صعده في اليمن وهم غيوث ندى وليوث وغى.


كعبة نجران :
بنى بنو الحارث بن كعب في نجران كعبة كبيرة لهم يعظمونها ، ذكرها الشاعر الأعشى "قيس بن ثعلبة " الذي كان على اتصال تام مع أساقفة نجران في كل سنة، أسماء أصحابها الثلاثة وهم : يزيد بن عبد المدان، وعبد المسيح من قبيلة الحارث بن كعب ، وقيس بن معد يكرب من كِندة في شعره بقوله :
فكَعبةُ نَجـران حتـْم علـيك     حتّـى تُنـاجـي بأبوابِــها
نزور يزيد وعبد المسـيح     وقيسا وهم خير اربابـها
وكان عبد المسيح سادن الكعبة من أهل نجران، وجاء وصفها عند (ابن الكلبي) على أنها لم تكن كعبة عبادة، وإنما كانت غرفة لأولئك القوم الذين ذكرهم الأعشى في شعرة وفي رواية أخرى لابن الكلبي سجلها (أبو الفرج الأصفهاني) و (ياقوت الحموي) جاء فيها وصف مفصل للكعبة النجرانية، إذ ذكر أنها قبة من ادم من ثلاثمائة جلد أي ثلاثمائة من الجلد مخيطة وكانت هذه القبة على نهر بنجران يقال له "النحيردان" وكان لهذا النهر مورد مالي يبلغ عشرة آلاف دينار يغطي نفقات القبة وسدنتها. و لعظمتها عندهم أطلقوا عليها كعبة نجران ، إذا جاءهم الخائف امن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد ارفد. ويورد (ياقوت الحموي) رواية تتحدث عن مبنى في اليمن يسمى "دير نجران" كان لآل المدان ابن الديان من بني الحارث بن كعب، و قد بنوه مربعا مستوي الأضلاع والأقطار مرتفعا من الأرض يصعد إليه بدرجة ، على مثال الكعبة فكانوا يحجون هم وطوائف من العرب ممن يحل الأشهر الحرام ولا يحج الكعبة ، وتحجه "خثعم" قاطبة ، وكان أهل ثلاثة بيوتات يتبارون في بناء البيع ،وهم : آل المنذر في الحيرة ،وغسان في الشام ،وبنو الحارث بن كعب في نجران ، وبنو دياراتهم في المواضع النزهة الكثيرة الشجر والرياض والغدران وجعلوا في حيطانها الفسافس ،وفي سقوفها الذهب والصور، وكان (بنو الحارث بن كعب ) يخرجون إليها كل يوم أحد، وفي أيام أعيادهم ، وقد لبسوا الديباج المذهب و الحرير، وبعدما يقضون صلاتهم ينصرفون إلى نزهتهم ، ويسميها (ابن منظور) "الربة" بقوله: " كعبة كانت بنجران لمذحج وبني الحارث بن كعب يعظمها الناس، ودار ربة ضخمة ... ". ولعل من المفيد أن نقرأ مناقشة (الدكتور جواد علي) لموضوع "كعبة نجران" ، إذ يرى أن رواية (ابن الكلبي) عن أصل "كعبة نجران" إنها قبة من ادم مشابهة لما نعرفه عن "خيمة يهوه" اله العبرانيين، واعتقادهم إنها خيمة مقدسة ، وبما نعرفه من خيم القبائل المقدسة، وذلك لأنها كانت بيوتا توضع فيها الأصنام ليتعبد بها أفراد القبيلة ، فإذا ارتحلوا إلى مكان جديد نقلوا خيمتهم معهم ، والظاهر أن كعبة نجران المذكورة إن صحت رواية (ابن الكلبي) كانت من هذ ا النوع، خيمة مقدسة في الأصل وذلك قبل دخول أهل نجران في النصرانية فلما دخلوها لم تذهب عنها قدسيتها، بل حولوها إلى كنيسة ثم بنو ربيعة في موضعها فيما بعد أما (الدكتور سعد زغلول) فيرى أن كعبة نجران لم تكن على غرار كعبة مكة، ويمكن أن تكون مشابهه لما كان يحدث في الحرم القريشي في مكة، ويستند إلى ما ذكره (ابن الكلبي) (إذا جاءها الخائف أمن ... ) ولما كان بنو الحرث بن كعب ومن لاذ بهم من القبائل يتقاتلون في السنة ( ٢ هـ - ٦٢٣ م ) من اجل الاستئثار بصنمهم " يغوث " ، فالذي يستنتج أن دخول النصرانية في نجران لم يمنع من بقاء عبادة الأصنام فيها، فلا بأس أن تكون كعبة نجران وثنية نصرانية. ولكن من الصعب قبول احتمال أن تكون كعبة نجران (وثنية – نصرانية) فكيف تمارس طقوس الديانة المسيحية والى جانبهم من يمارس عبادة الأصنام في مكان واحد؟ ويمكن أن نستخلص أن كعبة نجران كانت على شكل قبة من جلد، وظفت لغرض حشد الناس وليس للعبادة على وفق ما جاء بنص (ابن الكلبي) " إذا جاءهم الخائف امن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد رفد ". وكانت هذه الكعبة معظمة عند أهالي نجران. كما يخيل ألينا أن هناك مبنى أخر في نجران على هيئة "كنيسة" ذكره (ياقوت الحموي) بناه نصارى بني الحارث بن كعب لتمارس فيه الطقوس النصرانية. ومما يجدر ذكره أن الكعبة النجرانية لم تذكر في القصص المتعلقة بنشر الإسلام في اليمن ، ومن المحتمل أن الخيمة النجرانية لم تكن موجودة حين وصول المسلمين. كذلك فيما يخص الكنيسة النجرانية إذ لم تشر المصادر إلى أخبارها بعد ظهور الإسلام .
وقال ابن خلدون : قال البيهقي : مسافة نجران عشرون مرحلة. وفيها مدينتان : نجران وجُرُش . . وبها كعبة نجران، بُنيت على هيئة كعبة باليمن، وكانت طائفة من العرب تحج إليها وتنحر عندها، وتُسمى الدير".
- ويدل تسميتها الدير على أنها كانت ديراً مسيحياً -. وجاء فى دراسة عن نجران أنه تقع آثار كعبة نجران على قمة جبل تصلال على بعد ٣٥ كلم من مدينة نجران ، وقد ذكرت كتب التاريخ أنها بُنيت على أيدي بني عبد المدان بن الديان الحارثي .. وعندما تتجه ببصرك الى الغرب تجد امامك جبلا مخروطيا ذا ارتفاع شاهق يشق وادي نجران، يسمی جبل رعوم ، وفي قمته بناء أبيض صغير هو بقايا قصر من القصور القديمة).

تعديل