مقال - أصحاب الأخدود




تيسير خلف – عندما نتأمل بشكل عميق علاقة الاسلام مع الاديان الاخرى فسنجد أنموذجاً مشرقاً، ليس في تاريخنا فقط بل في تاريخ البشرية جمعاء، لا علاقة له بالجهلة والمتخلفين الذين يدعون زورا ويهتانا الانتماء للدين الاسلامي..

لقد اعتبر الرسول الكريم أن شهداء نجران هم شهداء الاسلام على الرغم من أنهم مسيحيون. ونزلت فيهم سورة في القرآن هي سورة البروج، وهم المشهورون في التراث الاسلامي بأصحاب الاخدود.

وقد منحهم الرسول الكريم عهداً ما تزال كتب التاريخ الاسلامي تتناقله بروايات مختلفة ملخصه أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم، وصلواتهم، ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شئ مما كانوا عليه [على ذلك جوار الله ورسوله أبدا] ما نصحوا وصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين.
أما قصة اضطهادهم على يد الملك الحميري مسروق أو ذي النواس.. فترويها بتفصيل الوثائق السريانية، لأن نجران كانت أسقفية تابعة للكنيسة السريانية الارثوذكسية، ففي القرن الرابع الميلادي ضمت نجران إلى إيبارشية أسقفية أنشئت في قطر وذلك طبقاً لتاريخ الكنيسة السريانية وفى القرن الرابع أنشأ عبد يشوع الناسك السريانى جنوبى قطر ديراً باسم مارتوما.

وفى أوائل 523م لم ينصع النجرانيون للتهديدات التي شنها عليهم “مسروق” الذى ملك اليمن عام 523م، وعندما فشل في تهديدهم وصل به الأمر أن قام بتعديبهم، غير أنهم لم يبالوا بذلك الاضطهاد قائلين: “إننا نؤمن بأنه حقاً الإله وابن الإله” متعزين من أقوال القديسين فيلوكسينوس المنبجى وماريعقوب السروجى.

أدخل اليهود عظام الشهداء للكنيسة وكوّموها في الوسط، ثم أدخلوا القسوس والشمامسة والنذراء والنذيرات والشبان والشابات وملأوا الكنيسة عن آخرها حتى بلغ عددهم ألفين، ثم جاءوا بالحطب ووضعوه حول الكنيسة وأضرموا فيه النار فأحرقت الكنيسة ومن فيها. 

بعد احتراق الكنيسة أحضر الملك الأعيان والأشراف الذين وقفوا أمامه مكبلين فسألهم: “لماذا تمرّدتم ولم تسلّموا المدينة واتكلّتم على ذلك الساحر المضل ابن الفجور (يقصد السيد المسيح)، وعلى هذا الشيخ الحارث بن كعب الذي صار لكم رئيسًا؟” ثم قام الملك فنزع ثياب الحارث وأوقفه عريانًا أمام شعبه، وطلب منه أن يكفر بالسيد المسيح وإلا أماته أشر ميتة. ولما رفض الحارث وكل الشعب المجتمعين، ورأى الملك أنه لا سبيل لكفرهم بالمسيح أمر أن يُساقوا إلى الوادي حيث تُقطع رؤوسهم وتلقى أشلاؤهم، وجثا الشيخ على ركبتيه، وقد أمسك به رفاقه يسندون يديه كموسى في قمة الجبل، فضربه القاتل وجز رأسه، وهكذا استشهدوا جميعًا. 

أما عن تعداد هذا الاضطهاد يذكر الطبري المؤرخ نقلًا عن ابن اسحق، أن ذا نواس قتل من أهل حمير وقبائل اليمن المسيحيين ما يقرب من عشرين ألفًا، ولكن الوثائق السريانية التي سجلت هذا الاضطهاد، تقول أن عدد الشهداء بلغ 4000 نفس من الإكليروس والعلمانيون والشبان والشابات والرجال والنساء والأطفال. وهؤلاء الشهداء هم الذين عناهم القرآن بأنهم أصحاب الأخدود وجاء ذكرهم في سورة البروج وقد سمّاهم مؤمنين. 

وقد نظم يوحنا بسطوس رئيس دير قنسرين نشيداً كنسياً بالسريانية عنوانه: «فى الشهداء الحميريين القديسين الذين استشهدوا فى نجران» 

ومن الشهيدات النجرانيات أليشبع والتى كانت شماسة وعذبها اليهود وعملوا شبه إكليل من الطين ووضعوه على رأسها مستهزئين قائلين: “اقبلى إكليلك يا شماسة ابن النجارين”، وقد لاقت صنوفاً من العذاب حتى استشهدت وتهنه الشهيدة وابنتها والشهيدة مانحة، والشهيدة روهوم بنت أزمع…وغيرهم.

قصة هؤلاء الشهداء موثقة في أرشيف الكنيسة السريانية في دمشق، وكانت من محفوظات الكنيسة السريانية في القدس.. وقد نشرها البطريرك يعقوب الثالث في كتاب طبع في دمشق عام 1966 بعنوان “الشهداء الحميريون العرب في الوثائق السريانية”.

للعلم فإن أبرهة أتى إلى اليمن بمباركة من بيزنطة وبتكليف من نجاشي الحبشة ليخلص المسيحيين من اضطهاد الملك ذي النواس الذي اهتزت له أركان العالم المسيحي في ذلك الوقت.

التعليقات: 0

إرسال تعليق

تعديل