سمونا لنجران اليماني - الفـرزدق

الفرزدق - بنو الحارث




سمونا لنجران اليماني وأهله
ونجران أرض لم تديث مقاوله

بمختلف الأصوات تسمع وسطه
كرز القطا لا يفقه الصوت قائله

لنا أمره لا تعرف البلق وسطه
كثير الوغى من كل حي قبائله

كأن بنات الحارثيين وسطهم
ظباء صريم لم تفرج غياطله

إذا حان منه منزل أوقدت به
لأخراه في أعلى اليفاع أوائله

تظل به الأرض الفضاء معضلا
وتجهر أسدام المياه قوابله

ترى عافيات الطير قد وثقت لها
بشبع من السخل العتاق منازله

إذا فزعوا هزوا لواء ابن حابس
ونادوا كريما خيمه وشمائله

سعى بترات للعشيرة أدركت حفيظة
ذي فضل على من يفاضله

فأدركها وازداد مجدا ورفعة وخيرا
وأحظى الناس بالخير فاعله

أرى أهل نجران الكواكب بالضحى
وأدرك فيهم كل وتر يحاوله

وصبح أهل الجوف والجوف آمن
بمثل الدبا، والدهر جم بلابله

فظل على همدان يوم أتاهم
بنحس نحوس، ظهره وأصائله

وكندة لم يترك لهم ذا حفيظة
ولا معقلا إلا أبيحت معاقله

وأهل حبونا من مراد تداركت
وجرما بواد خالط البحر ساحله

صبحناهم الجرد الجياد، كأنها
قطا أفزعته يوم طل أجادله

إلا إن ميراث الكليبي لابنه
إذا مات ربقا ثلة وحبائله

فأقبل على ربقي أبيك فإنما
لكل امرىء ما أورثته أوائله

تسربل ثوب اللؤم في بطن أمه
ذراعاه من أشهاده وأنامله

كما شهدت أيدي المجوس عليهم
بأعمالهم، والحق تبدو محاصله

عجبت لقوم يدعون إلى أبي
ويهجونني، والدهر جم مجاهله

فقلت له: رد الحمار، فإنه
أبوك لئيم، رأسه وجحافله

يسيل على شدقي جرير لعابه
كشلشال وطب ما تجف شلاشله

ليغمز عزا عسا عظم رأسه
قراسية كالفحل يصرف بازله

بناه لنا الأعلى، فطالت فروعه
فأعياك واشتدت عليك أسافله

فلا هو مسطيع أبوك ارتقاءه
ولا أنت عما قد بنى الله عادله

فإن كنت ترجو أن توازن دارما
فرم حضنا فانظر متى أنت ناقله

وأرسل يرجو ابن المراغة صلحنا
فرد ولم ترجع بنجح رسائله

ولاقى شديد الدرء مستحصد القوى
تفرق بالعصيان عنه عواذله

إلى كل حي قد خطبنا بناتهم
بأرعن مثل الطود جم صواهله

وأنتم عضاريط الخميس عتادكم
إذا ما غدا، أرباقه وحبائله

وإنا لمناعون تحت لوائنا حمانا
إذا ما عاذ بالسيف حامله

وقالت كليب قمشوا لأخيكم
ففروا به إن الفرزدق آكله

فهل أحد يا ابن المراغة هارب
من الموت، إن الموت لا بد نائله

فإني أنا الموت الذي هو ذاهب
بنفسك فانظر كيف أنت محاوله

أنا البدر يعشي طرف عينيك فالتمس
بكفيك ياابن الكلب هل أنت نائله

أتحسب قلبي خارجا من حجابه
إذا دف عباد أرنت جلاجله

فقلت، ولم أملك، أمال بن مالك
لأي بني ماء السماء جعائله

أفي قملي من كليب هجوته
أبو جهضم تغلي علي مراجله

أحارث داري مرتين هدمتها
وكنت ابن أخت لا تخاف غوائله

وأنت امرؤ بطحاء مكة لم يزل
بها منكم معطي الجزيل وفاعله

فقلنا له: لا تشمتن عدونا
ولا تنس من أصحابنا من نواصله

فقبلك ما أعييت كاسر عينه
زيادا، فلم تقدر علي حبائله

فأقسمت لا آتيه سبعين حجة
ولو نشرت عين القباع وكاهله

فما كان شيء كان مما نجنه
من الغش إلا قد أبانت شواكله

وقلت لهم: صبرا كليب، فإنه
مقام كظاظ لا تتم حوامله

فإن تهدموا داري، فإن أرومتي
لها حسب لا ابن المراغة نائله

أبي حسب عود رفيع وصخرة
إذا قرعت لم تستطعها معاوله

تصاغرت يا ابن الكلب لما رأيتني
مع الشمس في صعب عزيز معاقله

وقد منيت مني كليب بضيغم
ثقيل، على الحبلى جرير، كلاكله

شتيم المحيا، لا يخاتل قرنه
ولكنه بالصحصحان ينازله

هزبر، هريت الشدق، رئ بال غابة
إذا سار عزته يداه وكاهله

عزيز من اللائي ينازل قرنه
وقد ثكلته أمه من ينازله

وإن كليبا، إذ أتتني بعبدها
كمن غره حتى رأى الموت باطله

رجوا أن يردوا عن جرير بدرعه
نوافذ ما أرمي، وما أنا قائله

عجبت لراعي الضأن في حطمية
وفي الدرع عبد قد أصيبت مقاتله

وهل تلبس الحبلى السلاح وبطنها
إذا انتطقت عبء عليها تعادله

أفاخ وألقى الدرع عنه، ولم أكن
لألقي درعي من كمي أقاتله

ألست ترى يا ابن المراغة صامتا
لما أنت في أضعاف بطنك حامله

وقد علم الأقوام حولي وحولكم
بني الكلب أني رأس عز وكاهله

ألم تعلموا أني ابن صاحب صوأر
وعندي حساما سيفه وحمائله

تركنا جريرا وهو في السوق حابس
عطية، هل يلقى به من يبادله

فقالوا له رد الحمار، فإنه
أبوك لئيم رأسه وجحافله

وأنت حريص أن يكون مجاشع أباك
ولكن ابنه عنك شاغله

وما ألبسوه الدرع حتى تزيلت
من الخزي دون الجلد منه مفاصله

وهل كان إلا ثعلبا راض نفسه
بموج تسامى، كالجبال، مجاوله

ضغا ضغوة في البحر لما تغطمطت
عليه أعالي موجه وأسافله

فأصبح مطروحا وراء غثائه
بحيث التقى من ناجخ البحر ساحله

وهل أنت إن فاتتك مسعاة دارم
وما قد بنى، آت كليبا فقاتله

وقالوا لعباد أغثنا، وقد رأوا
شآبيب موت يقطر السم وابله

وما عند عباد لهم من كريهتي
رواح إذا ما الشر عضت رجائله

فخرت بشيخ لم يلدك ودونه أب
لك تخفي شخصه وتضائله

فلله عرضي، إن جعلت كريمتي
إلى صاحب المعزى الموقع كاهله

جبانا، ولم يعقد لسيف حمالة
ولكن عصام القربتين حمائله

يظل إليه الجحش ينهق إن علت
به الريح من عرفان من لا يزايله

له عانة أعفاؤها آلفاته
حمولته منها ومنها حلائله

موقعة أكتافها، من ركوبه
وتعرف بالكاذات، منها منازله

ألا تدعي إن كان قومك
لم تجد كريما لهم، إلا لئيما أوائله

ألا تفتري إذ لم تجد لك مفخرا
ألا ربما يجري مع الحق باطله

فتحمد ما فيهم، ولو كنت كاذبا
فيسمعه، يا ابن المراغة، جاهله

ولكن تدعى من سواهم إذا رمى
إلى الغرض الأقصى البعيد مناضله

فتعلم أن لو كنت خيرا عليهم
كذبت، وأخزاك الذي أنت قائله

تعاط مكان النجم، إن كنت طالبا
بني دارم، فانظر متى أنت نائله

فللنجم أدنى منهم أن تناله
عليك فأصلح زرب ما أنت آبله

ألم يك مما يرعد الناس أن ترى
كليبا تغنى بابن ليلى، تناضله

أبي مالك، ما من أب تعرفونه
لكم دون أعراق التراب يعادله

عجبت إلى خلق الكليبي علقت
يداه، ولم تشتد قبضا أنامله

فدونك هذي، فانتقضها، فإنها
شديد قوى أمراسها ومواصله

التعليقات: 0

إرسال تعليق

تعديل