عبد الله بن ثامر - الرجل الصالح

رواية المؤمن الصالح عبدالله بن ثامر بنجران،

- کان عبد الله بن الثامر من أهل دين عيسي عليه السلام ، وكان بها بقايا من أهل دينه على الإنجيل أهل فضل واستقامة ، وعبد الله بن الثامر رأس لهم ، وكان أصل ذلك الدين بنجران ، مع أن العرب كانوا أصحاب أوثان ، أن رجلاً من بقايا ذلك الدين يقال له فيميون وقيل انه "حيآن" وقع بين اظهرهم فحملهم عليه فدانوا به ، وكان صالحا مجتهدأ زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة ، وكان سائحاً ينزل القرى ، ولا يعرف في قرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يده ، وكان بناءً يعمل الطين ، وكان يعظم الأحد فلا يعمل فيه شيئاً، فخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي ، وكان في قرية من قرى الشام ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح ، فأحبه حباً شديداً ، وكان يتبعه حيث ذهب فلا يفطن له فيميون "حيآن"، حتى خرج في يوم أحد إلى فلاة من الارض كما كان يصنع ، فاتبعه صالح وهو لا يدري بمكانه ، وقام فيميون يصلي فأقبل نحوه التنين ، الحية ذات الرؤوس السبعة ، فلما رآها فيميون دعا عليها فاتت ، فرآها صالح ولم يدر ما أصابها ، فخافها عليه ، فعيل صبره فصرخ : يا فيميون ، التين قد أقبل نحوك ، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتي فرغ منها وامسي وانصرف ، وعرف انه قاد عرف ، و عرف صالح أنه قد رأى مكانه فقال له : يا فيميون ، اعلم أني ما أحببت شيئاً قط حبك، وقد أردت صحبتك ولكينونة معك حيث كنت ، قال : إما شئت ، آمري کما تري ، فان علمت أنك تقوي عليه فنعم، فلزمه صالح . وكان إذا جاءه أحد به الضرُ دعا له فشفي : وإذا دعي إلى أحد به ضرّ لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير ، فسأل عن شأن فيميون ، فقيل له إنه لا يأتي أحداً دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجرة ، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوباً، ثم جاءه فقال : يا فيميون اني أردت أن أعمل في بيتي عملاً فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه، فأشارطك عليه/ فأشار عليه/، فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال : ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال كذا وكذا ، ثم أزال الرجل الثوب عن الصبي وقال : يا فيميون عبد من عباد الله اصابه ماتري فادع الله له ، فدعا له فيميون فقام الصبي ليس به باس ، وعرف فيميون انه قد عرف ، فخرج من القرية واتبعه صالح ، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مرّ بشجرة عظيمة ، فناداه منها رجال فقال : أفيميون ؟ قال : نعم ،  قال : ما زلت انتظرك وأقول : متي هو جاءٍ ، حتي سمعت صوتك فعرفت انك هو ، لا تبرح حتي تقوم علي فإني ميت الآن ، قال : فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف ، وتبعه صالح حتى وطئا بعض ارض العرب ، فعدوا عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران ، وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة ، فإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ، ثم خرجوا إليها وعكفوا عليها يوماً، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم ، وابتاع صالحاً آخر ، فكان فيميون إذا قام الليل في بيت له أسكنه إياه سيده يصلي استسرج له البيت نوراً حتى يصبح ، من غير مصباح ، فرأى ذلك. سيده فأعجبه ما يرى منه ، فسأله عن دينه فأخبره به ، وقال له فيميون : إنما أنتم في باطل، ان هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلاهي الذي أعبد أهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له ، فقال له سيده : فافعل فانك إن فعلت دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه ، فقام فيميون "حيآن" فتطهر وصلى ركعتين ، ثم دعا الله تعالى عليها ، فأرسل الله عز وجل عليها ريحاً فجعفتها من أصلها فألقتها ، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه ، فحملهم على الشريعة من دين عيسي بن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الاحداث التي دخلت على اهل دينهم بکل آرض ، فمن هناك كانت النصرانية بنجران في ارض [ العرب ] .


وكان في قرية من قرى نجران ساحر يعلم أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون "حيآن" ابتنى خيمة بين نجران و بين تلك القرية ، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران ، فكان إذا مرّ بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صَلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحّد الله تعالى وعبده ، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام ، حتى إذا تعلم جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلمه ، فكتمه إياه وقال له : يا ابن أخي انك لن تحمله ، أخشى ضعفك عنه ، والثامر ابو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبدالله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلى قداح ، ثم لم يبق لله اسماً يعلمه إلا كتبه في قدح ، لكل اسم قدح ، حتى إذا احصاها اوقد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى إذا مرّ بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الذي كتمه ، فقال : وما هو ؟ قال له : كذا ، قال : وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع ، قال : أي ابن أخي قد أصبته فامسك على نفسك ، وما اظن أن تفعل ، فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال له : يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت [ فيه ] من البلاء ؟ فيقول : نعم ، فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى ، حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي ، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال له : أفسدت علي أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي ، لأمثلن بك ، قال : لا تقدر على ذلك ، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس ، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران ، بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك ، فيخرج ليس به باس ، فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر : انك والله لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله تعالى فتؤمن بما آمنت به ، فانك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني ، قال : فوحّد الله تعالى ذلك الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجّة غير كبيرة فقتله ، وهلك الملك مكانه ، واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر ، ثم اصابهم ما اصاب اهل دينهم من الاحداث .


وحدّثوا أن رجلاً من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته ، فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا واضعا يـده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده ، فإذا أخرت يده عنها تنبعث دماً، وإذا أرسلت يده ردَّها عليها ، فامسك دمها ، وفي يده خاتم مكتوب فيه : ربي ، فكتب فيه إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليهم عمر : أن أقروه على حاله وردُّوا عليه الدفن الذي كان عليه ، ففعلوا .


التعليقات: 0

إرسال تعليق

تعديل